ـ وَعَنْهُ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَخْطُبُ يَقُولُ: "لا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تسَافِرُ المَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي محْرَم"، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله ، إنَّ امْرأَتِي خَرجَتْ حَاجَّةً، وَإنِّي اكتتبت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكذا، فَقَالَ: "انْطَلِقْ فَحُجّ مَعَ امْرَأَتِكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
 

(وعنه) أي عن ابن عباس رضي الله عنهما (قال: سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يخطب يقول: "لا يخلون رجل بإمرأة) أي أجنبية لقوله: (إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل) قال المصنف: لم أقف على تسميته، (فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال: "انطلق فحج مع امرأتك" متفق عليه واللفظ لمسلم) دل الحديث على تحريم الخلوة بالأجنبية وهو إجماع، وقد ورد في حديث: "فإن ثالثهما الشيطان"، وهل يقوم غير المحرم مقامه في هذا بأن يكون معهما من يزيل معنى الخلوة الظاهر أنه يقوم لأن المعنى المناسب للنهي إنما هو خشية أن يوقع بينهما الشيطان الفتنة.
وقال القفال: لا بد من المحرم عملاً بلفظ الحديث: ودل أيضاً على تحريم سفر المرأة من غير محرم وهو مطلق في قليل السفر وكثيره، وقد وردت أحاديث مقيدة لهذا الإطلاق إلا أنها اختلفت ألفاظها، ففي لفظ: "لا تسافر المرأة مسيرة ليلة إلا مع ذي محرم"، وفي آخر "فوق ثلاث"، وفي آخر "مسيرة يومين" وفي آخر "ثلاثة أميال"، وفي لفظ "بريد" وفي آخر "ثلاثة أيام"، قال النووي: ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفراً فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه. وللعلماء تفصيل في ذلك قالوا: ويجوز سفر المرأة وحدها في الهجرة من دار الحرب والمخافة على نفسها ولقضاء الدين ورد الوديعة والرجوع من النشوز، وهذا مجمع عليه واختلفوا في سفر الحج الواجب فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز للشابة إلا مع محرم ونقل قولاً عن الشافعي أنها تسافر وحدها إذا كان الطريق آمناً ولم ينهض دليله على ذلك، قال ابن دقيق العيد: إن قوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} عموم شامل للرجال والنساء وقوله: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" عموم لكل أنواع السفر فتعارض العمومان ويجاب بأن حديث: لا تسافر المرأة للحج إلا مع ذيي محرم: مخصص لعموم الآية، ثم الحديث عام للشابة والعجوز.
وقال جماعة من الأئمة يجوز للعجوز السفر من غير محرم وكأنهم نظروا إلى المعنى فخصصوا به العموم، وقيل: لا يخصص بل العجوز كالشابة.
وهل تقوم النساء الثقات مقام المحرم للمرأة؟ فأجاز البعض مستدلاً بأفعال الصحابة ولا تنهض حجة على ذلك لأنه ليس بإجماع، وقيل: يجوز لها السفر إذا كانت ذات حشم، والأدلة لا تدل على ذلك.
وأما أمره صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم له بالخروج مع امرأته فإنه أخذ منه أحمد أنه يجب خروج الزوج مع زوجته إلى الحج إذا لم يكن معها غيره. وغير أحمد قال: لا يجب عليه، وحمل الأمر على الندب، قال: وإن كان لا يحمل على الندب إلا لقرينة عليه فالقرينة ما علم من قواعد الدين أنه لا يجب على أحد بذل منافع نفسه لتحصيل غيره ما يجب عليه.
وأخذ من الحديث أنه ليس للرجل منع امرأته من حج الفريضة لأنها عبادة قد وجب عليها، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، سواء قلنا إنه على الفور أو التراخي، أما الأول فظاهر، قيل: وعلى الثاني أيضاً فإن لها أن تسارع إلى براءة ذمتها كما أن لها أن تصلي أول الوقت وليس له منعها.
وأما ما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عمر مرفوعاً في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج "ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها" فإنه محمول على حج التطوع جمعاً بين الحديثين على أنه ليس في حديث الكتاب ما يدل أنها خرجت من دون إذن زوجها.
وقال ابن تميمة: إنه يصح الحج من المرأة بغير محرم ومن غير المستطيع، وحاصله أن من لم يجب عليه لعدم الاستطاعة مثل المريض والفقير والمعضوب والمقطوع طريقه، والمرأة بغير محرم، وغير ذلك إذا تكلفوا شهود المشاهد أجزأهم الحج، ثم منهم من هو محسن في ذلك كالذي يحج ماشياً، ومنهم من هو مسيء في ذلك كالذي يحج بالمسألة، والمرأة تحج بغير محرم وإنما أجزأهم لأن الأهلية تامة والمعصية إن وقعت فهي في الطريق لا في نفس المقصود.