ــــ وَعَنْهُ رضي الله عَنْهُ أَنَّ النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سمع رَجُلاً يقولُ: لبيكَ عنْ شُبرمَةَ، قال: "مَنْ شُبرمةُ؟" قال: أَخٌ لي أَو قريب لي، فقال: "حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟" قال: لا. قال: "حجّ عنّ نَفْسك ثمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمةَ" رواهُ أَبو داود وابنُ ماجهْ وصَحّحه ابنُ حبّان والرَّاجح عندَ أَحْمَد وقْفُهُ.
 

(وعنه) أي ابن عباس (رضي الله عنهما أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شُبْرمة) بضم الشين المعجمة فموحدة ساكنة (قال: "من شُبرُمَةُ؟" قال: أخ لي أو قريب لي) شك من الراوي (فقال: "حججتَ عنْ نفسك؟" قال: لا: قال: "حُجَّ عنْ نفْسكَ ثمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَة" رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان والراجح عند أحمد وقفه). وقال البيهقي: إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه. وقال أحمد بن حنبل: رفعه خطأ. وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، وقال الدارقطني: المرسل أصح، قال المصنف: هو كما قال، لكنه يقوي المرفوع لأنه من غير رجاله، وقال ابن تيمية: إن أحمد حكم في رواية ابنه صالح عنه أنه مرفوع فيكون قد اطلع على ثقة من رفعه، قال: وقد رفعه جماعة. على أنه وإن كان موقوفاً فليس لابن عباس فيه مخالف.
والحديث دليل على أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج نفسه لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمره أن يجعله عن نفسه بعد أن لبى عن شبرمة فدل على أنها لم تنعقد النية عن غيره وإلا لأوجب عليه المضي فيه.
وأن الإحرام ينعقد مع الصحة والفساد وينعقد مطلقاً مجهولاً معلقاً فجاز أن يقع عن غيره ويكون عن نفسه وهذا لأن إحرامه عن الغير باطل لأجل النهي، والنهي يقتضي الفساد، وبطلان صفة الإحرام لا يوجب بطلان أصله وهذا قول أكثر الأئمة أنه لا يصح أن يحج عن غيره من لم يحج عن نفسه مطلقاً مستطيعاً كان أو لا، لأن ترك الاستفصال والتفريق في حكاية الأحوال دال على العموم، ولأن الحج واجب في أول سنة من سنى الإمكان فإذا أمكنه فعله عن نفسه لم يجز أن يفعله عن غيره، لأن الأوّل فرض والثاني نفل، كمن عليه دين وهو مطالب به ومعه دراهم بقدره لم يكن له أن يصرفها إلا إلى دينه وكذلك كل ما احتاج أن يصرفه إلى واجب عنه فلا يصرفه إلى غيره، إلا أن هذا إنما يتم في المستطيع، ولذا قيل: إنما يؤمر أن يبدأ بالحج عن نفسه إذا كان واجباً عليه، وغير المستطيع لم يجب عليه فجاز أن يحج عن غيره ولكن العمل بظاهر عموم الحديث أولى.

الموضوع السابق


ـ وَعَنْهُ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يَخْطُبُ يَقُولُ: "لا يَخْلُونَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلا تسَافِرُ المَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي محْرَم"، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله ، إنَّ امْرأَتِي خَرجَتْ حَاجَّةً، وَإنِّي اكتتبت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكذا، فَقَالَ: "انْطَلِقْ فَحُجّ مَعَ امْرَأَتِكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.