ــــ عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خَرَجْنا مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عامَ حَجّةِ الوداع فَمِنّا مَنْ أَهَلَّ بعُمْرةٍ، ومنّا مَنْ أَهَلَّ بحج وَعُمْرةٍ، ومِنّا مَنْ أَهَلَّ بحجٍ، وَأَهَلَّ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بالحجِّ فَأَمّا مَنْ أَهلّ بعُمْرةٍ فَحَلَّ عند قدومه، وأَمّا مَنْ أهَلّ بحج أوْ جمعَ الحجَّ والعُمْرة فلمْ يحلُّوا حتى كان يوْمُ النحر" مُتّفقٌ عليه.
 

باب وجوه الإحرام وصفته
الوجوه جمع وجه والمراد بها الأنواع التي يتعلق بها الإحرام وهو الحج أوالعمرة أو مجموعهما. وصفته: كيفيته التي يكون فاعلها بها محرماً
(عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا) أي من المدينة، وكان خروجه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة، بعد صلاته الظهر بالمدينة أربعاً، وبعد أنت خطبهم خطبة علمهم فيها الإحرام، وواجباته، وسننه، (مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عام حجة الوداع) وكان ذلك سنة عشر من الهجرة، سميت بذلك لأنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ودع الناس فيها، ولم يحج بعد هجرته غيرها، (فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة) فكان قارناً (ومنا من أهل بحج) فكان مفرداً (وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج، فأما من أهل بعمرة فحل عند قدومه) مكة بعد إتيانه ببقية أعمال العمرة (وأما من أهل بحج، أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر. متفق عليه).
الإهلال: رفع الصوت، قال العلماء: هو هنا رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام.
ودل حديثها على أنه وقع من مجموع الركب الذين صحبوه في حجه هذه الأنواع، وقد رويت عنها روايات تخالف هذا، وجمع بينها بما ذكرناه، وقد اختلفت الروايات في إحرام عائشة بماذا كان، لاختلاف الروايات أيضاً.
ودل حديثها على أنه وقع من ذلك الركب الإحرام بأنواع الحج الثلاثة.
فالمحرم بالحج هو من حج الإفراد، والمحرم بالعمرة هو من حج التمتع، والمحرم بهما هو القارن.
ودل حديثها على أن من أهل بالحج مفرداً له عن العمرة لم يحل إلا يوم النحر، وهذا يخالف ما ثبت من الأحاديث عن أربعة عشر صحابياً في الصحيحين وغيرهما "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمر من لم يكن معه هدي أن يفسخ حجه إلى العمرة". قيل: فيتأوّل حديث عائشة على تقييده بمن كان معه هدي وأحرم بحج مفرداً فإنه كمن ساق الهدي وأحرم بالحج والعمرة معاً.
وقد اختلف العلماء قديماً وحديثاً في الفسخ للحج إلى العمرة، هل هو خاص بالذين حجوا معه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أو لا؟ وقد بسط ذلك ابن القيم في زاد المعاد، وأفردناه برسالة، ولا يحتمل هنا نقل الخلاف والإطالة.
واختلف العلماء أيضاً فيما أحرم به صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم والأكثر أنه أحرم بحج وعمرة فكان قارناً وحديث عائشة هذا دل على أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أحرم بالحج مفرداً لكن الأدلة على أنه حج قارن واسعة جداً.
واختلفوا أيضاً في الأفضل من أنواع الحج والأدلة تدل على أن أفضلها القران. وقد استوفي أدلة ذلك ابن القيم.