ــــ عن ابن عُمر رضي اللَّهُ عَنْهُما قال: "مَا أَهَلَّ رَسُول اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلا من عِنْد المَسْجد" متّفقٌ عليه.
 

باب الإحرام وما يتعلق به
الإحرام: الدخول في أحد النسكين والتشاغل بأعماله بالنية.
(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما أهل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلا من المسجد) أي مسجد ذي الحليفة (متفق عليه) هذا قاله ابن عمر ردّاً على من قال: إنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أحرم من البيداء، فإنه قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه أهل منها ما أهل ــــ الحديث. وفي رواية: "أنه أهل من عند الشجرة حين قام به بعيره" والشجرة كانت عند المسجد، وعند مسلم: أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ركع ركعتين بذي الحليفة ثم إذا استوت به الناقة عند مسجد ذي الحليفة أهل"، وقد جمع بين حديث الإهلال بالبيداء والإهلال بدي الحليفة بأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أهل منهما وكل من روى أنه أهل بكذا فهو راو لما سمعه من إهلاله، وقد أخرج أبو داود والحاكم من حديث ابن عباس "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لمّا صلى في مسجد ذي الحليفة ركعتين أهل بالحج حين فرغ منهما، فسمع قوم فحفظوه فلما استقرت به راحلته أهلَّ وأدرك ذلك منه قوم لم يشهدوا في المرة الأولى فسمعوه حين ذاك فقالوا: إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهلَّ وأدرك ذلك قوم لم يشهدوه فنقل كما سمع". الحديث:
ودل الحديث على أن الأفضل أن يحرم من الميقات لا قبله فإن أحرم قبله فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم، وهل يكره؟ قيل: نعم، لأن قول الصحابة "وقت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لأهل المدينة ذا الحليفة" يقضي بالإهلال من هذه المواقيت ويقضي بنفي النقص والزيادة، فإن لم تكن الزيادة محرمة فلا أقل من أن يكون تركها أفضل، ولولا ما قيل من الإجماع بجواز ذلك لقلنا بتحريمه لأدلة التوقيت، ولأن الزيادة على المقدرات من المشروعات كأعداد الصلاة ورمي الجمار لا تشرع، كالنقص منها، وإنما لم يجزم بتحريم ذلك لما ذكرنا من الإجماع، ولأنه روي عن عدة من الصحابة تقديم الإحرام على الميقات فأحرم ابن عمر من بيت المقدس، وأحرم أنس من العقيق، وأحرم ابن عباس من الشام، وأهلّ عمران بن حصين من البصرة، وأهل ابن مسعود من القادسية.
وورد في تفسير الآية "أن الحج والعمرة إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك" عن علي وابن مسعود، وإن كان قد تؤول بأن مرادهما أن ينشيء لهما سفراً مفرداً من بلده كما أنشأ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لعمرة الحديبية والقضاء سفراً من بلده، ويدل لهذا التأويل أن علياً لم يفعل ذلك، ولا أحد من الخلفاء الراشدين، ولم يحرموا بحج ولا عمرة إلا من الميقات، بل لم يفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فكيف يكون ذلك تمام الحج ولم يفعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولا أحد من الخلفاء ولا جماهير الصحابة.
نعم الإحرام من بيت المقدس بخصوصه ورد فيه حديث أم سلمة: سمعت رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقول: "من أهل من المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه أحمد وفي لفظ: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة" شك عبد الله أيتهما قال. ورواه ابن ماجه بلفظ "من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب" فيكون هذا مخصوصاً ببيت المقدس فيكون الإحرام منه خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت، ويدل له إحرام ابن عمر منه ولم يفعل ذلك من المدينة على أن منهم من ضعف الحديث ومنهم من تأوله بأن المراد ينشيء لهما السفر من هنالك.