ــــ وَعَن الصَّعب بن جَثّامة الليثي رضي الله عَنْهُ أَنّهُ أَهدى لرسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حماراً وحْشياً وهو بالأبواءِ أو بودَّان فردَّهُ عليه، وقال: "إنّا لمْ نُردُّهُ عليك إلا أَنّا حُرُم" مُتّفقٌ عليه.
 

(وعن الصَعْب) بفتح الصاد المهملة وسكون العين المهملة فموحدة (ابن جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة (الليثي رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حماراً وحشياً) وفي رواية: "حمار وحش يقطر دماً"، وفي أخرى: "لحم حمار وحش"، وفي آخرى: "عجز حمار وحش"، وفي رواية: "عضداً من لحم صيد"، كلها في مسلم (وهو بالأبواء) ممدود (أو بودّان) بفتح الواو وتشديد الدال المهملة وكان ذلك في حجة الوداع (فردّه عليه وقال: "إنّا لمْ نَرُدَّهُ) بفتح الدال رواه المحدثون وأنكره المحققون من أهل العربية، وقالوا: صوابه ضمها لأنه القاعدة في تحريك الساكن إذا كان بعده ضمير المذكر الغائب على الأصح، وقال النووي في شرح مسلم: في ردّه ونحوه للمذكر ثلاثة أوجه أوضحها الضم والثاني الكسر وهو ضعيف والثالث الفتح وهو أضعف منه، بخلاف ما إذا اتصل به ضمير المؤنث، نحو ردّها فإنه بالفتح (عليك إلا أَنّا حُرُمٌ") بضم الحاء والراء أي محرمون (متفق عليه).
دل على أنه لا يحل لحم الصيد للمحرم مطلقاً، لأنه علل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ردّه لكونه محرماً، ولم يستفصل هل صاده لأجله أولاً، يدل على التحريم مطلقاً، وأجاب من جوّزه بأنه محمول على أنه صيد لأجله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، فيكون جمعاً بينه وبين حديث أبي قتادة، والجمع بين الأحاديث إذا أمكن وأولى من إطراح بعضها، وقد دل لهذا أن في حديث أبي قتادة الماضي عند أحمد وابن ماجه بإسناد جيد: "إنما صدته له وأنه أمر أصحابه أن يأكلون ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له". قال أبو بكر النيسابوري: قوله: "لك" وأنه "لم يأكل منه": لا أعلم أحداً قاله في هذا الحديث غير معمر. قلت: معمر ثقة لا يضر تفرّده ويشهد للزيادة حديث جابر الذي قدّمناه.
وفي الحديث دليل على أنه ينبغي قبول الهدية وإبانة المانع من قبولها إذا ردّها.
واعلم أن ألفاظ الروايات اختلفت فقال الشافعي: إن كان الصعب أهدى للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى أهل وسلم الحمار حياً فليس للمحرم ذبح حمار وحشي، وإن كان أهدى لحم حمار فيحتمل أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قد فهم أنه صاده لأجله، وأما رواية "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أكل منه" التي أخرجها البيهقي فقد ضعفها ابن القيم، ثم إنه استقوى من الروايات رواية لحم حمار قال: لأنها لا تنافي رواية من روى حماراً لأنه قد يسمى الجزء باسم الكل وهو شائع في اللغة، ولأن أكثر الروايات اتفقت أنه بعض من أبعاض الحمار، وإنما وقع الاختلاف في ذلك البعض ولا تناقض بينها فإنه يحتمل أن يكون المهدي من الشق الذي فيه العجز الذي فيه رجله.