ــــ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "خمسٌ من الدوابِّ كُلُّهنَّ فواسق يقْتلنَ في الحلِّ والحرَمِ: الْعقربُ والحدَأَةُ والغُرابُ والفأرةُ والكلبُ العقور"متّفقٌ عليه.
 

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "خمس من الدواب كلُّهنَّ فواسق يقتلن في الحلِّ والحرم: الغراب والحدأة) بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة (والعقرب) يقال على الذكر والأنثى وقد يقال عقربة (والفأرة) بهمزة ساكنة ويجوز تخفيفها ألفاً (والكلب العقور" متفق عليه) وفي رواية في البخاري زيادة ذكر الحية فكانت ستاً، وقد أخرجها بلفظ "ست" أبو عوانة وسرد الخمس مع الحية، ووقع عند أبي داود زيادة السبع العادي، فكانت سبعاً، ووقع عند أبي خزيمة وابن المنذر زيادة: الذئب والنمر، فكانت تسعاً إلا أنه نقل عن الذهلي أنه ذكرهما في تفسير الكلب العقور، ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل رجاله ثقات. وأخرج أحمد مرفوعاً الأمر للمحرم بقتل الذئب وفيه راو ضعيف.
وقد دلت هذه الزيادات أن مفهوم العدد غير مراد من قوله خمس.
والدواب: بتشديد الباء جمع دابة وهو ما دب من الحيوان، وظاهره أنه يسمى الطائر دابة، وهو يطابق قوله تعالى: {وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها} ، {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} وقيل: يخرج الطائر من لفظ الدابة لقوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه} ولا حجة فيه، لأنه يحتمل أنه عطف خاص على عام. هذا وقد اختص في العرف لفظ الدابة بذوات الأربع القوائم.
وتسميتها فواسق: لأن الفسق لغة: الخروج، ومنه {ففسق عن أمر ربه} أي خرج، ويسمى العاصي فاسقاً، لخروجه عن طاعة ربه، ووصفت المذكورة بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوانات، في تحريم قتل المحرم لها، وقيل: لخروجها عن غيرها من الحيوانات في حل أكله لقوله تعالى: {أو فسقاً أهل لغير الله به} فسمي ما لا يؤكل فسقاً قال تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وأنه لفسق} ، وقيل: لخروجها عن حكم غيرها بلإيذاء والإفساد وعدم الانتقاع، فهذه ثلاث علل استخرجها العلماء في حل قتل هذه الخمس.
ثم اختلف أهل الفتوى فمن قال بالأول، ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم. ومن قال بالثاني ألحق كل ما لا يؤكل إلا ما نهي عن قتله. وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث خص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد قاله المصنف في فتح الباري قلت: ولا يخفى أن هذه العلل لا دليل عليها فيبعد الإلحاق لغير المنصوص بها، والأحوط عدم الإلحاق وبه قالت الحنفية إلا أنهم ألحقوا الحية لثبوت الخبر والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية وألحقوا بذلك من ابتدأ بالعدوان والأذى من غيرها.
قال ابن دقيق: والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالنظر إلى تصرف أهل القياس، فإنه ظاهر من جهة الإيمان بالتعليل بالفسق، وهو الخروج عن الحدّ انتهى. قلت: ولا يخفى أنه قد اختلف في تفسير فسقها على ثلاثة أقوال كما عرفت فلا يتم تعيين واحد منها علة بالإيماء فلا يتم الإلحاق به.
وإذا جاز قتلهنّ للمحرم جاز للحلال بالأولى، وقد ورد بلفظ "يُقتلن في الحل والحرم" عند مسلم، وفي لفظ "ليس على المحرم في قتلهن جناح" فدل أنه يقتلها المحرم في الحرم وفي الحل بالأولى.
وقوله: "يقتلن" إخبار بحل قتلها وقد ورد بلفظ نفي الجناح ونفي الحرج على قاتلهنّ فدل على حمل الأمر على الإباحة.
وأطلق في هذه الرواية لفظ الغراب، وقيد عند مسلم من حديث عائشة "بالأبقع" وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض، فذهب بعض أئمة الحديث إلى تقييد المطلق بهذا وهي القاعدة في حمل المطلق على المقيد. والقدح في هذه الزيادة بالشذوذ وتدليس الراوي مدفوع بأنه صرح الراوي فلا تدليس وبأنها زيادة من عدل ثقة حافظ فلا شذوذ.
قال المصنف: قد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب، ويقال له غراب الزرع، وقد احتجوا بجواز أكله فبقي ما عداه من الغربان ملحقاً بالأبقع.
والمراد بالكلب: هو المعروف وتقييده بالعقور يدل أنه لا يقتل غير العقور ونقل عن أبي هريرة تفسير الكلب العقور: بالأسد، وعن زيد بن أسلم تفسيره: بالحية، وعن سفيان أنه الذئب خاصة؛ وقال مالك: كل ما عقر الناس وأخافهم وعدا عليهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو الكلب العقور، ونقل عن سفيان وهو قول الجمهور واستدل لذلك بقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "اللهم سلط عليهم كلباً من كلابك فقتله الأسد"، وهو حديث حسن أخرجه الحاكم.