ــــ وعَنْ عائشةَ رضي الله عنْها "أَنَّ النبيّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لَمّا جَاءَ إلى مَكّةَ دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وخرجَ مِنْ أَسْفَلِها" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
 

هذا إخبار عن دخوله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فإنه دخلها من محل يقال له كداء بفتح الكاف والمدّ غير منصرف، وهي الثنية التي ينزل منها إلى المعلاة مقبرة أهل مكة وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي ثم سهلت كلها في زمن سلطان مصر المؤيد في حدود عشرين وثمانمائة، وأسفل مكة هي السفلى يقال لها كُدى بضم القاف والقصر عند باب الشبيكة ويقول أهل مكة: افتح وادخل وضم واخرج. ووجه دخوله صلى الله عليه وآله وسلم من الثنية العليا ما روي أنه قال أبو سفيان: "لا أسلم حتى الخيل تطلع من كداء فقال له العباس: ما هذا؟ قال: شيء طلع بقلبي وإن الله لا يطلع الخيل من هنالك أبداً" قال العباس: "فذكرت أبا سفيان بذلك لما دخل رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم منها" وعند البيهقي من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "كيف قال حسان" فأنشده شعراً:
عدمت بنيتي إن لم تروها
نثير النقع مطلعها كَداء
فتبسم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: "ادخلوها من حيث قال حسان".
واختلف في استحباب الدخول من حيث دخل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم والخروج من حيث خرج فقيل: يستحب وأنه يعدل إليه من لم يكن طريقه عليه، وقال البعض: وإنما فعله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لأنه كان على طريقه فلا يستحب لمن لم يكن كذلك.
وقال ابن تيمية: يشبه أن يكون ذلك والله أعلم أن الثنية العليا التي تشرف على الأبطح والمقابر إذا دخل منها الإنسان فإنه يأتي من وجهة البلد والكعبة ويستقبلها استقبالاً من غير انحراف، بخلاف الذي يدخل من الناحية السفلى، لأنه يستدبر البلد والكعبة فاستحب أن يكون ما يليه منها مؤخراً لئلا يستدبر وجهها.