ــــ وعنْ عبد الله بن عمُرو بن العاص رضي الله عنهما أَن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وقف في حجة الوداع فجعلوا يسْأَلونَهُ، فقال رجُلٌ: لمْ أَشْعرْ فحلقْت قبلَ أَنْ أَذْبح؟ قالَ: "اذبحْ ولا حرج" فجاءَ آخرُ فقالَ: لمْ أَشْعرْ فَنَحَرْتُ قبلَ أَن أَرْمي؟ قال: "ارْم ولا حَرَجَ" فما سُئلَ يوْمئذً عنْ شيءٍ قُدَّمَ ولا أُخِّر إلا قالَ: "افْعل ولا حرج" مُتّفقٌ عليه.
 

(وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وقف في حجة الوداع) أي يوم النحر بعد الزوال وهو على راحلته يخطب عند الجمرة (فجعلوا يسألونه فقال رجل:) قال المصنف: لم أقف على اسمه بعد البحث الشديد (لم أشعر) أي لم أفطن ولم أعلم (فحلقت قبل أن أذبح قال: "اذبح) أي الهدي، والذبح ما يكون في الحلق (ولا حرج") أي لا إثم (فجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت) النحر ما يكون في اللبة (قبل أن أرمي) جمرة العقبة (قال: "ارْم ولا حرج" فما سئل يومئذ عن شيء قدّم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج" متفق عليه).
اعلم أن الوظائف على الحاج يوم النحر أربع: الرمي لجمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق والتقصير، ثم طواف الإفاضة هذا هو الترتيب المشروع فيها وهكذا فعل صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في حجته، ففي الصحيحين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أتى منى فأَتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى فنحر وقال للحالق: "خذه" ولا نزاع في هذا للحاج مطلقاً ونازع بعض الفقهاء في القارن فقال: لا يحلق حتى يطوف.
والحديث دليل على أنه يجوز تقديم بعض هذه الأشياء وتأخيرها وأنه لا ضيق ولا إثم على من قدم أو أخر. فاختلف العلماء في ذلك.
فذهب الشافعي وجمهور السلف وفقهاء أصحاب الحديث والعلماء إلى الجواز وأنه لا يجب الدم على من فعل ذلك لقوله للسائل "ولا حرج" فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية معاً لأن اسم الضيق يشملهما قال الطبري: لم يسقط النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لو لم يجزئه لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضعان عن المكلف الحكم الذي يلزمه في الحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه ناسياً أو جاهلاً لكن يجب عليه الإعادة، وأما الفدية فالأظهر سقوطها على الناسي والجاهل وعدم سقوطها عن العالم.
قال ابن دقيق العيد: القول بسقوط الدم عن الجاهل والناسي دون العامد قوي من جهة أن الدليل دل على وجوب اتباع أفعال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بقول: "خذوا عني مناسككم" وهذه السؤالات المرخصة بالتقديم لما وقع السؤال عنه إنما قرنت بقول السائل "لم أشعر" فيختص الحكم بهذه الحالة ويحمل قوله "لا حرج" على نفي الإثم والدم معاً في الناسي والجاهل ويبقى العامد على أصل وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحج، والقائل بالتفرقة بين العامد وغيره قد مشى أيضاً على القاعدة في أن الحكم إذا رتب على وصف يمكن بأن يكون معتبراً لم يجز اطراحه، ولا شك أن عدم الشعور وصف مناسب لعدم التكليف والمؤاخذه، والحكم علق به فلا يمكن اطراحه بإلحاق العامد به إذ لا يساويه.
قال: وأما التمسك بقول الراوي: "فما سئل عن شيء" إلى آخره لإشعاره بأن الترتيب مطلقاً غير مراعى فجوابه أن هذه الأخبار من الراوي تتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا تبقى حجة في حال العمد.