ــــ وعن ابن الزُّبيْر رضي الله عنْهُما قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "صلاةٌ في مسجدي هذا أَفضل من أَلف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاةٌ في المسجد الحرام أَفضل من صلاةٍ في مسّجدي هذا بمائة صلاة" رواهُ أَحُمدُ وصحّحهُ ابنُ حبّان.
 

(وعن ابن الزبير رضي الله عنهما) هو عند الإطلاق يراد به عبد الله (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "صلاةٌ في مسجدي هذا) الإشارة تفيد أنه الموجود عند الخطاب فلا يدخل في الحكم ما يزيد فيه (أفضل من ألف صلاةٍ) وفي رواية: خيرٌ، وفي أخرى تعدل ألف صلاة (فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجدِ الْحرام أفضلُ من صلاةٍ في مسجدي هذا بمائة صلاةً) وفي لفظ عند ابن ماجه وابن زنجويه وابن عساكر من حديث أنس "صلاة في مسجدي بخمسين ألف صلاة" إسناده ضعيف وفي لفظ عند أحمد من حديث ابن عمر "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" وفي لفظ عن جابر "أفضل من ألف صلاة فيما سواه" أخرجه أحمد وغيره (رواه أحمد وصحّحه ابن حبان) وروى الطبراني عن أبى الدرداء قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" ورواه ابن عبد البر من طريق البزار ثم قال: هذا إسناد حسن. قلت: فعلى هذا يحمل قوله في حديث ابن الزبير بمائة صلاة أي من صلاة مسجدي فتكون مائة ألف صلاة فيتوافق الحديثان. قال أبو محمد بن حزم: ورواه ابن الزبير عن عمر بن الخطاب بسند كالشمس في الصحة ولا مخالف لهما من الصحابة فصار كالإجماع وقد روي بألفاظ كثيرة عن جماعة من الصحابة وعددهم فيما اطلعت عليه خمسة عشر صحابياً وسرد أسماءهم.
وهذا الحديث وما في معناه دال على أفضلية المسجدين على غيرهما من مساجد الأرض وعلى تفاضلهما فيما بينهما وقد اختلف أعداد المضاعفة كما عرفت والأكثر دال على عدم اعتبار مفهوم الأقل والحكم للأكثر لأنه صريح.
وسبقت إشارة إلى أن الأفضلية في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم خاصة بالموجود في عصره قال النووي: لقوله في مسجدي فالإضافة للعهد. قلت: ولقوله هذا، ومثل ما قاله النووي من الاختصاص نقل المصنف عن ابن عقيل الحنبلي.
وقال الآخرون: إنه لا اختصاص للموجود حال تكلمه صلى الله عليه وآله وسلم بل كل ما زيد فيه داخل في الفضيلة وفائدة الإضافة الدلالة على اختصاصه دون غيره من مساجد المدينة لا أنها للاحتراز تعما يزاد فيه. قلت: بل فائدة الإضافة الأمران معاً، قال من عمم الفضيلة فيما زيد فيه: إنه يشهد لهذا ما رواه ابن أبي شيبة والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة مرفوعاً "لو مدّ هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي" وروى الديلمي مرفوعاً "هذا مسجدي وما زيد فيه فهو منه" وفي سنده عبد الله بن سعيد المقبري وهو واه. وأخرج الديلمي أيضاً حديثاً آخر في معناه إلا أنه حديث معضل، وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: زاد عمر في المسجد، من شامية ثم قال: لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم. وفيه عبد العزيز بن عمران المدني متروك. ولا يخفى عدم نهوض هذه الأثار إذ المرفوع معضل وغيره كلام صحابي.
ثم هل تعم هذه المضاعفة الفرض والنفل أو تخص بالأول؟ قال النووي: إنها تعمهما وخالفه الطحاوي والمالكية مستدلين بحديث "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته المكتوبة".
وقال المصنف: يمكن بقاء حديث "أفضل صلاة المرء" على عمومه فتكون النافلة في بيته في مكة أو المدينة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجد وإن كانت في البيوت أفضل مطلقاً. قلت: ولا يخفى أن الكلام في المضاعفة في المسجد لا في البيوت في المدينة ومكة إذا لم ترد فيهما المضاعفة بل في مسجديهما.
وقال الزركشي وغيره: إنها تضاعف النافلة في مسجد المدينة ومكة وصلاتها في البيوت أفضل قالت: يدل لأفضلية النافلة في البيوت مطلقاً محافظته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على صلاة النافلة في بيته وما كان يخرج إلى مسجده إلا لأداء الفرائض مع قرب بيته من مسجده.
ثم هذا التضعيف لا يختص بالصلاة بل قال الغزالي: إلى كل عمل في المدينة بألف. وأخرج البيهقي عن جابر مرفوعاً "الصلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام والجمعة في مسجدي هذا أفضل من ألف جمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام شهر رمضان في مسجدي هذا أفضل من ألف شهر رمضان فيما سواه إلا المسجد الحرام" وعن ابن عمر نحوه، وقريب منه للطبراني في الكبير عن بلال بن الحرث.