- وعنه رضي الله عنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يبيع حاضر لباد ، ولا تناجشوا ، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها } متفق عليه . ولمسلم { لا يسم المسلم على سوم المسلم } .
 

( وعنه) أي أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة } بكسر الخاء المعجمة ، وأما في الجمعة وغيرها فبضمها { أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها } كفأت الإناء كببته وقلبته متفق عليه ولمسلم { لا يسوم المسلم على سوم المسلم } اشتمل الحديث على مسائل منهي عنها . الأولى : نهى عن بيع الحاضر للبادي وقد تقدم . الثانية : ما يفيده قوله ولا تناجشوا وهو معطوف في المعنى على قوله نهى ؛ لأن معناه لا يبع حاضر لباد ولا تناجشوا وتقدم الكلام عليه قريبا في حديث ابن عمر { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النجش } الثالثة : قوله ولا يبيع الرجل على بيع أخيه يروى برفع المضارع على أن لا نافية وبجزمه على أنها ناهية وإثبات الياء يقوي الأول ، وعلى الثاني فبأنه عومل المجزوم معاملة غير المجزوم فتركت الياء وفي رواية بحذفها فلا إشكال ، وصورة البيع على البيع أن يكون قد وقع البيع بالخيار فيأتي في مدة الخيار رجل فيقول للمشتري : افسخ هذا البيع وأنا أبيعك مثله بأرخص من ثمنه أو أحسن منه ، وكذا الشراء على الشراء هو أن يقول للبائع في مدة الخيار : افسخ البيع وأنا أشتريه منك بأكثر من هذا الثمن ، وصورة السوم على السوم أن يكون قد اتفق مالك السلعة والراغب فيها على البيع ولم يعقد فيقول آخر للبائع أنا أشتريه منك بأكثر بعد أن كانا قد اتفقا على الثمن وقد أجمع العلماء على تحريم هذه الصور كلها وأن فاعلها عاص . وأما بيع المزايدة وهو البيع ممن يزيد فليس من المنهي عنه ، وقد بوب البخاري باب بيع المزايدة وورد في ذلك صريحا ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن واللفظ للترمذي وقال حسن عن أنس { أنه صلى الله عليه وسلم باع حلسا وقدحا وقال من يشتري هذا الحلس والقدح فقال رجل : آخذهما بدرهم فقال من يزيد على درهم فأعطاه رجل درهمين فباعهما منه } وقال ابن عبد البر إنه لا يحرم البيع ممن يزيد اتفاقا وقيل إنه يكره واستدل لقائله بحديث عن سفيان بن وهب أنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع المزايدة } ولكنه من رواية ابن لهيعة وهو ضعيف . الرابعة : قوله ولا يخطب على خطبة أخيه زاد في مسلم إلا أن يأذن . وفي رواية حتى يأذن ، والنهي يدل على تحريم ذلك وقد أجمع العلماء على تحريمها إذا كان قد صرح بالإجابة ولم يأذن ولم يترك ، فإن تزوج والحال هذه عصى اتفاقا وصح عند الجمهور وقال داود يفسخ النكاح ونعم ما قال وهي رواية عن مالك وإنما اشترط التصريح بالإجابة وإن كان النهي مطلقا لحديث { فاطمة بنت قيس فإنها قالت : خطبني أبو جهم ومعاوية فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة بعضهم على بعض } بل خطبها مع ذلك لأسامة والقول بأنه يحتمل أنه لم يعلم أحدهما بخطبة الآخر وأنه صلى الله عليه وسلم أشار بأسامة لا أنه خطب خلاف الظاهر . وقوله أخيه أي في الدين ومفهومه أنه لو كان غير أخ كأن يكون كافرا فلا يحرم وهو حيث تكون المرأة كتابية وكان يستجيز نكاحها وبه قال الأوزاعي وقال غيره يحرم أيضا على خطبة الكافر . والحديث خرج التقييد فيه مخرج الغالب فلا اعتبار لمفهومه . الخامسة : قوله ولا تسأل المرأة يروى مرفوعا ومجزوما وعليه بكسر اللام لالتقاء الساكنين ، والمراد أن المرأة الأجنبية لا تسأل الرجل أن يطلق امرأته وينكحها ويصير ما هو لها من النفقة والعشرة لها ، وعبر عن ذلك بالإكفاء لما في الصحفة من باب التمثيل كأن ما ذكر لما كان معدا للزوجة فهو في حكم ما قد جمعته في الصحفة لتنتفع به فإذا ذهب عنها فكأنما قد كفئت الصحفة وخرج ذلك عنها فعبر عن ذلك المجموع المركب بالمركب المذكور للشبه بينهما .