وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضي اللَّهُ عَنْهُما قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقُول: "إذا تَبَايَعْتُمْ بالعِينةِ وأَخَذْتُمْ أَذْنابَ الْبَقَرِ وَرَضيْتمْ بالزَّرْع وتركْتُمُ الجِهادَ سَلّطَ اللَّهُ عَليْكُمْ ذلاً لا يَنْزِعُهُ شيءٌ حَتى تَرْجعُوا إلى دينكُم" رَوَاهُ أَبو داودَ مِنْ روايةِ نافعٍ عَنْهُ وَفي إسنادِهِ مَقَالٌ ولأحْمَدَ نَحْوُهُ مِنْ روَايةِ عطَاءٍ وَرجَالُهُ ثِقاتٌ وَصحّحَهُ ابْنُ الْقَطّانِ.
 

(وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إذا تَبَايَعْتُمْ بالعِينَةِ" بكسر العين المهملة وسكون المثناة التحتية "وأَخَذْتُم أَذْنَابِ الْبَقَر ورَضيتُمْ بالزَّرْعِ وتَركْتُمْ الْجهاد سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً) بضم الذال المعجمة والكسر: الاستهانة والضعف (لا ينْزِعُهُ شيءٌ حَتى تَرْجِعُوا إلى دينِكُمْ" رواه أبو داود من رواية نافع عنه وفي إسناده مقال).
لأن في إسناده أبا عبد الرحمن الخراساني اسمه إسحاق عن عطاء الخراساني قال الذهبي في الميزان: هذا من مناكيره.
(ولأحمد نحوه من رواية عطاء ورجاله ثقات وصححه ابن القطان).
قال المصنف: وعندي أن الحديث الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كونه رجاله ثقات أن يكون صحيحاً لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء وعطاء يحتمل أن يكون هو الخراساني فيكون من تدليس التسوية بإسقاط نافع بن عطاء وابن عمر فيرجع إلى الحديث الأول وهو المشهور اهـ.
والحديث له طرق عديدة عقد له البيهقي باباً وبين عللها.
واعلم أن بيع العينة هو أن يبيع سلعة بثمن معلوم إلى أجل ثم يشتريها من المشتري بأقل ليبقى الكثير في ذمته وسميت عينة لحصول العين أي النقد فيها ولأنه يعود إلى البائع عين ماله.
وفيه دليل على تحريم هذا البيع وذهب إليه مالك وأحمد وبعض الشافعية عملاً بالحديث قالوا ولما فيه من تفويت مقصد الشارع من المنع عن الربا وسدّ الذرائع مقصود.
قال القرطبي: لأن بعض صور هذا البيع تؤدي إلى بيع التمر بالتمر متفاضلاً ويكون الثمن لغواً.
وأما الشافعي فنقل عنه أنه قال بجوازه أخذاً من قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في حديث أبي سعيد وأبي هريرة الذي تقدم: "بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً".
قال فإنه دال على جواز بيع العينة فيصح أن يشتري ذلك البائع له ويعود له عين ماله لأنه لما لم يفصل ذلك في مقام الاحتمال دل على صحة البيع مطلقاً سواء كان من البائع أو غيره.
وذلك لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يجري مجرى العموم في المقال.
وأيد ما ذهب إليه الشافعي بأنه قد قام الإجماع على جواز البيع من البائع بعد مدة لا لأجل التوصل إلى عوده إليه بالزيادة.
وقالت الهادوية: يجوز البيع من البائع إذا كان غير حيلة ولا فرق بين التعجيل والتأجيل وبأن المعتبر في ذلك وجود الشرط في أصل العقد وعدمه فإذا كان مشروطاً عند العقد أو قبله على عوده إلى البائع فالبيع فاسد أو باطل على الخلاف وإن كان مضمراً غير مشروط فهو صحيح.
أي الإفطار وأضيفت إليه لأنه سببها كما يدل له ما في بعض روايات البخاري:" زكاة الفطر من رمضان".
ولعلهم يقولون: حديث العينة فيه مقال فلا ينتهض دليلاً على التحريم.
وقوله: "وأخذتم أذناب البقر" كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث.
والرضا بالزرع كناية عن كونه قد صار همهم وهمتهم وتسليط الله كناية عن جعلهم أذلاء بالتسليط لما في ذلك من الغلبة والقهر.
وقوله: "حتى ترجعوا إلى دينكم" أي ترجعوا إلى الاشتغال بأعمال الدين.
وفي هذه العبارات زجر بالغ وتقريع شديد حتى جعل ذلك بمنزلة الردة وفيه الحث على الجهاد.