وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ: "نهى رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عَنْ بَيْع الثِّمار حَتّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا؛ نهى الْبَائِعَ والْمُبْتَاعَ" مُتّفقٌ عَلَيْهِ، وَفي روَايةٍ "وكانَ إذا سُئِلَ عَن صَلاحِهَا قالَ حتى تَذْهَبَ عاهَتُها".
 

(وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: "نهى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها؛ نهى البائع والمبتاع". متفق عليه، وفي رواية: وكان إذا سئل عن صلاحها قال: حتى تذهب عاهتها) وهي الآفة والعيب.
اختلف السلف في المراد ببدو الصلاح على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه يكفي بدوّ الصلاح في جنس الثمار أن يكون الصلاح متلاحقاً وهو قول الليث والمالكية.
والثاني: أنه لا بد أن يكون في جنس تلك الثمرة المبيعة وهو قول لأحمد.
والثالث: أنه يعتبر الصلاح في تلك الشجرة المبيعة وهو قول الشافعية.
ويفهم من قوله: يبدو أنه لا يشترط تكامله فيكفي زهو بعض الثمرة وبعض الشجرة مع حصول المعنى المقصود وهو الأمان من العاهة.
وقد جرت حكمة الله أن لا تطيب الثمار دفعة واحدة لتطول مدة التفكه بها والانتفاع.
والحديث دليل على النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها.
والإجماع قائم على أنه لا يصح بيع الثمار قبل خروجها لأنه بيع معدوم وكذا بعد خروجها قبل نفعها.
إلا أنه روى المصنف في الفتح أن الحنفية أجازوا بيع الثمار قبل بدوّ الصلاح وبعده بشرط القطع وأبطلوه بشرط البقاء قبله وبعده.
وأما بعد صلاحها ففيه تفاصيل: فإن كان بشرط القطع صح إجماعاً.
وإن كان بشرط البقاء كان بيعاً فاسداً إن جهلت المدة.
فإن علمت صح عند الهادوية ولا غرر.
وقال المؤيد: لا يصح للنهي عن بيع وشرط وإن أطلق صح عند الهادوية وأبي حنيفة إذ المتردد بين الصحة والفساد يحمل على الصحة إذ هي الظاهر إلا أن يجري عرف ببقائه مدة مجهولة فيفسده.
وأفاد نهي البائع والمبتاع أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأما المشتري فلئلا يضيع ماله.
والعاهة هي الآفة التي تصيب الثمار.
وقد بين ذلك حديث زيد بن ثابت قال: "كان الناس في عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يتبايعون الثمار فإذا جذ الناس وحضر تقاضيهم قال المبتاع إنه أصاب الثمر الدمان ــــ وهو فساد الطلع، وسواده ــــ أصابه مراض أصابه قشام عاهات يحتجون بها فقال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لما كثرت عنده الخصومة في ذلك: "فأما لا فلا تتبايعوا حتى يبدو صلاح الثمرة كالمشورة يشير بها لكثرة خصوماتهم" انتهى وأفهم قوله كالمشورة أن النهي للتنزيه لا للتحريم كأنه فهمه من السياق وإلا فأصله التحريم.
وكان زيد لا يبيع ثمار أرضه حتى تطلعَ الثرايا فيتبين الأصفر من الأحمر.
وأخرج أبو داود من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إذا طلع النجم صباحاً رفعت العاهة من كل بلد".
والنجم الثريا والمراد طلوعها صباحاً وهو في أول الصيف وذلك عند اشتداد الحر ببلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار وهو المعتبر حقيقة وطلوع الثريا علامة.