وَعَنْ جَابر بنِ عَبْدَ اللَّهِ رَضيَ الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيك تَمْراً فأَصَابَتْهُ جَائْحَةٌ فَلا يحلُّ لكَ أَنْ تَأخُذَ مِنْهُ شَيْئاً، بمَ تَأخُذُ مَالَ أَخِيك بغَيْر حَقّ؟" رَوَاهُ مُسْلمٌ، وَفي روايةٍ لَهُ "أَنَّ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَمَرَ بوضْعِ الْجَوائح".
 

(وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لو بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة) هي آفة تصيب الزرع (فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟" رواه مسلم، وفي رواية: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمر بوضع الجوائح).
الجائحة مشتقة من الجوح وهو الاستئصال ومنه حديث:"إن أبي يجتاحُ مَالي".
وفي الحديث دليل على أن الثمار التي على رؤوس الشجر إذا باعها المالك وأصابتها جائحة أن يكون تلفها من مال البائع وأنه لا يستحق على المشتري في ذلك شيئاً.
وظاهر الحديث فيما باعه بيعاً غير منهي عنه وأنه وقع البيع بعد بدو الصلاح لأنه منهي عن بيعه قبل بدوه.
ويحتمل وروده أي حديث وضع الجوائح قبل النهي.
يدل له ما وقع في حديث زيد بن ثابت أنه قال: "قدم النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ونحن نبتاع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وسمع خصومة فقال: ما هذا؟ فذكر الحديث وأنه نهى عن بيعها قبل بدو صلاحها" فأفاد مع ذكر سبب النهي تاريخ ذلك فيكون حديث وضع الجوائح متأخراً، فيحمل ــــ أي حديث وضع الجوائح ــــ على البيع بعد بدو الصلاح.
وقد اختلف العلماء في وضع الجوائح فذهب الأقل إلى أن الجائحة إذا أصابت الثمر جميعه أن يوضع الثمن جميعه وأن التلف من مال البائع عملاً بظاهر الحديث.
وذهب الأكثر إلى أن التلف من مال المشتري وأنه لا وضع لأجل الجائحة إلا ندباً واحتجوا له بحديث أبي سعيد: "أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمر الناس أن يتصدقوا على الذي أصيب في ثماره" وسيأتي.
قالوا: ووجه تلفه من مال المشتري أنَّ التَخْلِية في العقد الصحيح بمنزلة القبض، وقد سلمه البائع للمشتري بالتخلية فكأنه قبضه.
وأجيب عنه بأن قوله: "فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً" الحديث دال على التحريم وأنه تلف على البائع لقوله مال أخيك إذ يدل أنه لم يستحق منه الثمن وأنه مال أخيه لا ماله، وحديث التصدق محمول على الاستحباب بقرينة قوله: لا يحل لك.
وفائدة الأمر بالتصدّق الإرشاد إلى الوفاء بغرضين: جبر البائع وتعريض المشتري لمكارم الأخلاق كما يدل له قوله في آخر الحديث لما طلبوا الوفاء: "ليس لكم إلا ذلك" فلو كان لازماً لأمرهم بالنظرة إلى ميسرة.