عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعودٍ رَضيَ الله تَعَالى عَنْهُ قالَ: قالَ لَنَا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَا مَعْشَرَ الشبّابِ مَنِ اسْتطاعَ مِنكم الباءَةَ فَلْيَتَزَوَجْ فإنّهُ أَغَضُّ للْبَصَر وَأَحْصَنُ للْفرج، وَمَنْ لمْ يستطعْ فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فإنّهُ لَهُ وِجَاءٍ" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
 

النكاح لغة الضم والتداخل ويستعمل في الوطء:
وفي العقد قيل مجاز من إطلاق اسم المسبب على السبب وقيل إنه حقيقة فيهما وهو مراد من قال إنه مشترك فيهما.
وكثر استعماله في العقد فقيل إنه فيه حقيقة شرعية ولم يرد في الكتاب العزيز إلا في العقد.
عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعودٍ رَضيَ الله تَعَالى عَنْهُ قالَ: قالَ لَنَا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَا مَعْشَرَ الشبّابِ مَنِ اسْتطاعَ مِنكم الباءَةَ فَلْيَتَزَوَجْ فإنّهُ أَغَضُّ للْبَصَر وَأَحْصَنُ للْفرج، وَمَنْ لمْ يستطعْ فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ فإنّهُ لَهُ وِجَاءٍ" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
(عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة) بالباء الموحدة والهمزة والمد (فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لو وجاء) بكسر الواو والجيم والمد (متفق عليه).
وقع الخطاب منه للشباب لأنهم مظنة الشهوة للنساء.
واختلف العلماء في المراد بالباءة والأصح أن المراد بها الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر مائه كما يقطع الوجاء.
ووقع في رواية ابن حبان مدرجاً تفسير الوجاء بأنه الإخصاء وقيل الوجاء رض الخصيتين والإخصاء سلبهما.
والمراد أن الصوم كالوجاء.
والأمر بالتزوج يقتضي وجوبه مع القدرة على تحصيل مؤنته وإلى الوجوب ذهب داود وهو رواية عن أحمد.
وقال ابن حزم: وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد أن يتزوج أو يتسرى فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وقال: إنه قول جماعة من السلف.
وذهب الجمهور إلى أن الأمر للندب مستدلين بأنه تعالى خير بين التزوج والتسري بقوله: {فواحدة أو ماملكت أيمانكم} والتسري لا يجب إجماعاً فكذا النكاح لأنه لا تخيير بين واجب وغير واجب إلا أن دعوى الإجماع غير صحيحة لخلاف داود وابن حزم.
وذكر ابن دقيق العيد أن من الفقهاء من قال بالوجوب على من خاف العنت وقدر على النكاح وتعذر عليه التسري وكذا حكاه القرطبي فيجب على من لا يقدر على ترك الزنا إلا به. ثم ذكر من يحرم عليه ويكره ويندب له ويباح.
فيحرم على من يخل بالزوجة في الوطء والإنفاق مع قدرته عليه وتوقانه إليه.
ويكره في حق مثل هذا حيث لا إضرار بالزوجة.
والإباحة فيما إذا انتفت الدواعي والموانع.
ويندب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة لقوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فإني مكاثر بكم الأمم" ولظواهر الحث على النكاح والأمر به.
وقوله: "فعليه بالصوم" إغراء بلزوم الصوم.
وضمير عليه يعود إلى "من" فهو مخاطب في المعنى.
وإنما جعل الصوم وجاء لأنه بتقليل الطعام والشراب يحصل للنفس إنكسار عن الشهوة ولسر جعله الله تعالى في الصوم فلا ينفع تقليل الطعام وحده من دون صوم.
واستدل به الخطابي على جواز التداوي لقطع الشهوة بالأدوية وحكاه البغوي في شرح السنة ولكن ينبغي أن يحمل على دواء يسكن الشهوة ولا يقطعها بالأصالة لأنه قد يقوى على وجدان مؤن النكاح بل قد وعد الله من يستعف أن يغنيه من فضله لأنه جعل الإغناء غاية للاستعفاف ولأنهم اتفقوا على منع الجب والإخصاء فلحق بذلك ما في معناه.
وفيه الحث على تحصيل ما يغض به البصر ويحصن الفرج.
وفيه أنه لا يتكلف للنكاح بغير الممكن كالاستدانة.
واستدل به العراقي على أن التشريك في العبادة لا يضر بخلاف الرياء لكنه يقال إن كان المشرك عبادة كالمشرك فيه فإنه لا يضر فإنه يحصل بالصوم تحصين الفرج وغض البصر.
وأما تشريك المباح كما لو دخل إلى الصلاة لترك خطاب من يحل خطابه فهو محل نظر يحتمل القياس على ما ذكر ويحتمل عدم صحة القياس.
نعم إن دخل في الصلاة لترك الخوض في الباطل أو الغيبة وسماعها كان مقصداً صحيحاً.
واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء لأنه لو كان مباحاً لأرشد إليه لأنه أسهل وقد أباح الاستمناء بعض الحنابلة وبعض الحنفية.