وَعَنْ أَنَس بنِ مَالكٍ رضيَ الله عَنْهُ: أَنّ النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حَمِدَ اللَّهَ وأَثنى عَلَيْهِ وقالَ: "لكني أَنا أُصَلِّي وَأَنَامُ وأَصُومُ وأُفْطِرُ وأَتَزوَّجُ النّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فَلَيْس مني" مُتّفقٌ عَلَيْهِ.
 

(وَعَنْ أَنَس بنِ مَالكٍ رضيَ الله عَنْهُ: أَنّ النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم حَمِدَ اللَّهَ وأَثنى عَلَيْهِ وقالَ: "لكني أَنا أُصَلِّي وَأَنَامُ وأَصُومُ وأُفْطِرُ وأَتَزوَّجُ النّساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فَلَيْس مني" مُتّفقٌ عَلَيْهِ) هذا اللفظ لمسلم وللحديث سبب وهو أنه قال أنس: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادته صلى الله عليه وآله وسلم فلما أُخبروا كأنهم تقالوها فقالوا: أين نحن من رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أمّا أنا فإني أصلي الليل أبداً وقال آخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر: وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم فقال: أنتم قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ولكني أنا أصلي وأنام وأصوم ــــ الحديث".
وهو دليل على أن المشروع هو الاقتصاد في العبادات دون الانهماك والإضرار بالنفس وهجر المألوفات كلها وأن هذه الملة المحمدية مبنية شريعتها على الاقتصاد والتسهيل والتيسير وعدم التعسير: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
قال الطبري: في الحديث الرد على من منع استعمال الحلال من الطيبات مأكلا وملبساً.
قال القاضي عياض: هذا مما اختلف فيه السلف فمنهم من ذهب إلى ما قاله الطبري ومنهم من عكس واستدل بقوله تعالى: {أذهبتكم طيباتكم في حياتكم الدنيا}.
قال: والحق أن الآية في الكفار وقد أخذ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالأمرين، والأولى التوسط في الأمور وعدم الإفراط في ملازمة الطيبات فإنه يؤدي إلى الترفّه والبطر ولا يأمن من الوقوع في الشبهات فإن من اعتاد ذلك قد لا يجده أحياناً فلا يستطيع الصبر عنه فيقع في المحظور.
كما أن من منع من تناول ذلك أحياناً قد يفضي به إلى التنطع وهو التكلف المؤدي إلى الخروج عن السنة المنهي عنه ويرد عليه صريح قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق}.
كما أن الأخذ بالتشديد في العبادة يؤدي إلى الملل القاطع لأصلها.
وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً وترك النفل يفضي إلى البطالة وعدم النشاط إلى العبادة وخيار الأمور أوسطها.
وأراد صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بقوله: "فمن رغب عن سنتي" عن طريقتي "فليس مني" أي ليس من أهل الحنيفية السهلة بل الذي يتعين عليه أن يفطر ليقوى على الصوم وينام ليقوى على القيام وينكح النساء ليعف نظره وفرجه.
وقيل: إن أراد من خالف هديه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وطريقته أن الذي أتى به من العبادة أرجح مما كان عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فمعنى "ليس مني" أي ليس من أهل ملّتي لأن اعتقاد ذلك يؤدي إلى الكفر.