وَعَنِ ابنِ عَباسٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ جَاريَةً بكْراً أَتَتِ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فَذَكَرَتْ أَنْ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كارهِةٌ فَخَيّرَهَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ وابنُ مَاجَهْ وأُعِلَّ بالإرْسَالِ.
 

(وَعَنِ ابنِ عَباسٍ رَضيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "أَنَّ جَاريَةً بكْراً أَتَتِ النّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فَذَكَرَتْ أَنْ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كارهِةٌ فَخَيّرَهَا رسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ وابنُ مَاجَهْ وأُعِلَّ بالإرْسَالِ).
وأجيب عنه بأنه رواه أيوب بن سويد عن الثوري عن أيوب موصولاً وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حبان عن أيوب موصولاً.
وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله فالحكم لمن وصله.
قال المصنف: الطعن في الحديث لا معنى له لأنه له طرقاً يقوي بعضها بعضاً اهـ.
وقد تقدّم حديث أبي هريرة المتفق عليه وفيه: "ولا تنكح البكر حتى تستأذن" وهذا الحديث أفاد ما أفاده فدل على تحريم إجبار الأب لابنته البكر على النكاح وغيره من الأولياء بالأولى.
وإلى عدم جواز إجبار الأب ذهبت الهادوية والحنفية لما ذكر ولحديث مسلم "والبكر يستأذنها أبوها" وإن قال البيهقي: زيادة الأب في الحديث غير محفوظة فقد ردّه المصنف بأنها زيادة عدل يعني فيعمل بها.
وذهب أحمد وإسحاق والشافعي إلى أن للأب إجبار بنته البكر البالغة على النكاح عملاً بمفهوم "الثيب أحق بنفسها" كما تقدم فإنه دل أن البكر بخلافها وأن الولي أحق بها.
ويردّ بأنه مفهوم لا يقاوم المنطوق وبأنه لو أخذ بعمومه لزم في حق غير الأب من الأولياء وأن لا يخص الأب بجواز الإجبار.
وقال البيهقي في تقوية كلام الشافعي: إن حديث ابن عباس هذا محمول على أنه زوّجها من غير كفء قال المصنف: جواب البيهقي هو المعتمد لأنها واقعة عين فلا يثبت الحكم بها تعميماً.
قلت: كلام هذين الإمامين محاماة عن كلام الشافعي ومذهبهم وإلا فتأويل البيهقي لا دليل عليه فلو كان كما قال لذكرته المرأة بل قالت: إنه زوّجها وهي كارهة فالعلة كراهتها فعليها علق التخيير لأنها المذكورة فكأنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إذا كنت كارهة فأنت بالخيار.
وقوله المصنف: "إنها واقعة عين" كلام غير صحيح بل كحكم عام لعموم علته فأينما وجدت الكراهة ثبت الحكم.
وقد أخرج النسائي عن عائشة: "أن فتاة دخلت عليها، فقالت: إن أبي زوّجني من ابن أخيه يرفع بي خسيسته وأنا كارهة قالت: اجلسي حتى يأتي رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فجاء رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فأخبرته فأرسل إلى أبيها فدعاه فجعل الأمر إليها فقالت: يا رسول الله قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء".
والظاهر أنها بكر ولعلها البكر التي في حديث ابن عباس وقد زوجها أبوها كفئاً ابن أخيه.
وإن كانت ثيباً فقد صرحت أنه ليس مرادها إلا إعلام النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء ولفظ النساء عام للثيب والبكر وقد قالت هذا عنده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فأَقرّها عليه.
والمراد بنفي الأمر عن الآباء نفي التزويج للكراهة لأن السياق في ذلك فلا يقال هو عام لكل شيء.