وَعَنْ عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بَيَميِنِكَ، وكُلْ ممّا يَلِيكَ" مُتّفقٌ عَلَيهِ.
 

(وَعَنْ عُمَرَ بنِ أبي سَلَمَةَ قالَ: قالَ لي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يَا غُلامُ سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بَيَميِنِكَ، وكُلْ ممّا يَلِيكَ" مُتّفقٌ عَلَيهِ).
الحديث دليل على وجوب التسمية للأمر بها وقيل: إنها مستحبة في الأكل ويقاس عليه الشرب.
قال العلماء: ويستحب أن يجهر بالتسمية ليسمع غيره وينبهه عليها فإن تركها لأي سبب نسيان أو غيره في أول الطعام فليقل في أثنائه: بسم الله أوله وآخره، لحديث أبي داود والترمذي وغيرهما. قال الترمذي: حسن صحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:
"إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره".
وينبغي أن يسمي كل واحد من الآكلين فإن سمى واحد فقط فقد حصل بتسميته السنة، قاله الشافعي.
ويستدل بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أن الشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه فإن ذكره واحد من الآكلين صدق عليه أنه ذكر اسم الله عليه.
وفي الحديث دليل على وجوب الأكل باليمين للأمر به أيضاً ويزيده تأكيداً: أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وفعل الشيطان يحرم على الإنسان.
ويزيده تأكيداً: أن رجلاً أكل عنده صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم بشماله فقال: كل بيمينك فقال لا أستطيع قال: لا استطعت ما منعه إلا الكبر فما رفعها إلى فيه. أخرجه مسلم ولا يدعو صلى الله عليه وآله وسلم إلا على من ترك الواجب.
وأما كون الدعاء لتكبره فهو محتمل أيضاً ولا ينافي أن الدعاء عليه للأمرين معاً.
وفي قوله: وكل مما يليك دليل أنه يجب الأكل مما يليه وأنه ينبغي حسن العشرة للجليس وأن لا يحصل من الإنسان ما يسوء جليسه مما فيه سوء عشرة، وترك مروءة.
فقد يتقذر جليسه ذلك لا سيما في الثريد والأمراق ونحوها إلا في مثل الفاكهة.
فإنه قد أخرج الترمذي وغيره من حديث عكراش بن ذؤيب قال: أتينا بجفنة كثيرة الثريد والوذر وهو بفتح الواو وفتح الذال المعجمة فراء جمع وذرة قطعة من اللحم لا عظم فيها فخبطت بيدي في نواحيها وأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بين يديه فقبض بيدِهِ اليُسْرَى على يدِي اليمنى ثم قال: يا عكراش كل من موضع واحد فإنه طعام واحد ثم أتينا بطبق فيه ألوان التمر فجعلت آكل من بين يدي وجالت يد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطبق.
فقال: يا عكراش كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد.
فهذا يدل على التفرقة بين الأطعمة والفواكه بل يدل على أنه إذا تعدّد لون المأكول من طعام أو غيره فله أن يأكل من أي جانب وكذلك إذا لم يبق تحت يد الآكل شيء فله أن يتبع ذلك ولو من سائر الجوانب.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس: أن خياطاً دعا النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لطعام صنعه قال: فذهبت مع النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقرب خبز شعير ومرقاً فيه دباء وقديد فرأيت النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يتتبع الدباء من حوالي القصعة أي جوانبها فلم أزل أتتبع الدباء من يومئذ.
وفي الحديث قال أنس: فلما رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه وهو دليل على تطلبه له من جميع القصعة لمحبته له.
هذا ومما نهي عنه الأكل من وسط القصعة كما يدل له الحديث الآتي وهو قوله:
وَعَنْ ابنِ عَبّاسٍ أَنّ النَّبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَريدٍ فَقَالَ: "كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا ولا تأكُلوا مِنْ وَسَطِهَا فإن الْبرَكَةَ تَنْزلُ في وَسَطِهَا" رَوَاهُ الأرْبَعَةُ وَهذا لَفْظُ النسائيِّ وَسَنَدُهُ صَحيحٌ.