وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبيدٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: أُخبْرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثلاثَ تَطْلِيقاتِ جميعاً فَقَامَ غَضْبَانَ ثمَّ قالَ: "أَيُلْعَبُ بكتابِ الله وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ" حتى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رسُول اللَّهِ أَلا أَقْتُلُهُ؟ رَوَاهُ النسائي وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُون.
 

(وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه) ابن أبي رافع الأنصاري الأشهلي ولد على عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وحدث عنه أحاديث قال البخاري: له صحبة وقال أبو حاتم: لا نعرف له صحبة وذكره مسلم في التابعين وكان من العلماء مات سنة ست وتسعين وقد ترجم له أحمد في مسنده وأخرج له أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع (قال: أُخْبِرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل طَلّقَ امرَأَتَهُ ثَلاثَ تطليقاتٍ جَميعاً فقامَ غَضْبَان ثم قال: "أيُلْعَبِ بكِتَابِ اللَّهِ وأَنَا بَيْنَ أظْهرِكُمْ؟" حتى قام رجل فقال: يا رسولَ اللَّهِ ألا أَقْتُلُهُ. رواه النسائي ورواته موثقون).
الحديث دليل على أن جمع الثلاث التطليقات بدعة واختلف العلماء في ذلك فذهب الهادوية و أبو حنيفة ومالك إلى أنه بدعة.
وذهب الشافعي وحمد والإمام يحيى إلى أنه ليس ببدعة ولا مكروه.
واستدل الأوّلون بغضبه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وبقوله: أيلعب بكتاب الله وبما أخرجه سعيد بن منصور بسند صحيح عن أنس: أن عمر كان إذا أتي برجل طلق امرأته ثلاثاً أوجع ظهره ضرباً وكأنه أخذ تحريمه من قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أيلعب بكتاب الله. استدل آخرون بقوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} وبقوله: {والطلاق مرتان} وبما يأتي في حديث اللعان أنه طلقها الزوج ثلاثاً بحضرته صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم ولم ينكر عليه.
وأجيب بأن الآيتين مطلقتان والحديث صريح بتحريم الثلاث فتقيد به الآيتان.
وبأن طلاق الملاعن لزوجته ليس طلاقاً في محله لأنها بانت بمجرد اللعان كما يأتي:
واعلم أن حديث محمود لم يكن فيه دليل على أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أمضى عليه الثلاث أو جعلها واحدة وإنما ذكره المصنف إخباراً بأنها قد وقعت التطليقات الثلاث في عصره.

الموضوع التالي


وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضي اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ: طَلّقَ أَبو رُكَانَةَ أُمَّ رُكَانَةَ فَقَالَ لهُ رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "رَاجع امْرَأَتَكَ" فَقَالَ: إنِّي طَلّقْتُهَا ثلاثاً؟ قالَ: "قَدْ عَلِمْتُ، رَاجِعْهَا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وفي لَفْظٍ لأحْمَدَ: "طَلّقَ أَبو رُكانَةَ امْرَأَتَهُ في مَجْلِسٍ واحِدٍ ثلاثاً فَحَزنَ عَلَيْهَا، فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "فإنّهَا واحِدَةٌ" وفي سَنَدِهِمَا ابْنُ إسْحَاقَ وَفيهِ مَقَالٌ، وَقَدْ رَوَى أبُو داودَ مِنْ وَجْهٍ آخرَ أَحْسنَ مِنْهُ: "أَنَّ أَبَا رُكانةَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ أَلْبَتّةَ فَقَالَ: واللَّهِ مَا أَرَدْتُ بها إلا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إلَيْهِ النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم".