وَعَنْ جابرٍ رضيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا طَلاقَ إلا بعْدَ نِكاح، ولا عِتْقَ إلا بَعْدَ مِلْكٍ" رَوَاهُ أَبو يَعْلى وصَحّحَهُ الحاكِمُ وَهُوَ مَعْلُولٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ الْمِسْوَر بنِ مَخْرَمَة مِثْلَهُ وإسْنَادُهُ حَسَنٌ، لكنّهُ مَعْلُولٌ أَيْضاً.
 

(وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا طَلاقَ إلا بَعْدَ نِكَاحٍ ولا عِتْقَ إلا بَعْدَ مِلْكٍ" رواه أبو يعلى وصححه الحاكم) وقال: أنا متعجب من الشيخين كيف أهملاه لقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى. (وهو معلول) بما قاله الدارقطني: الصحيح مرسل ليس فيه جابر.
قال يحيى بن معين: "لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق قبل نكاح".
وقال ابن عبد البر: روي من وجوه إلا إنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى.
ولكنه يشهد له قوله:
(وأخرج ابن ماجه عن المسور) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو فراء (ابن مَخْرَمة) بفتح الميم فخاء معجمة ساكنة (مثله وإسناده حسن لكنه معلول أيضاً) لأنه اختلف فيه على الزهري.
قال علي بن الحسين بن واقد عن هشام عن سعيد عن الزهري عن عروة عن المسور.
وقال حماد بن خالد عن هشام عن سعيد عن الزهري عن عروة عن عائشة وعن أبي بكر وعن أبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم، ذكرها البيهقي في الخلافيات.
وقال البيهقي: أصح حديث فيه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال الترمذي: هو أحسن شيء روي في هذا الباب.
ولفظه عند أصحاب السنن: "ليس على رجل طلاق فيما لا يملك" الحديث.
قال البيهقي: قال البخاري: أصح شيء فيه وأشهره حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ويأتي.
وحديث الزهري عن عائشة وعن علي ومداره على جويبر عن الضحاك عن النزال بن سبرة عن علي وجويبر متروك.
ثم قال البيهقي: ورواه ابن ماجه بإسناد حسن.
والحديث دليل على أنه لا يقع الطلاق على المرأة الأجنبية فإن كان تنجيزاً فإجماع وإن كان تعليقاً بالنكاح كأن يقول إن نكحت فلانة فهي طالق ففيه ثلاث أقوال:
الأول: أنه لا يقع مطلقاً وهو قول الهادوية والشافعية وأحمد وداود وآخرين ورواه البخاري عن اثنين وعشرين صحابياً.
ودليل هذا القول حديث الباب وإن كان فيه مقال من قبل الإسناد فهو متأيد بكثرة الطرق وما أحسن ما قال ابن عباس قال الله تعالى: {يا أيها الذين امنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن} ولم يقل إذا طلقتموهن ثم نكحتموهن وبأنه إذا قال المطلق إن تزوجت فلانة هي طالق مطلق لأجنبية فإنها حين أنشأ الطلاق أجنبية والمتجدد هو نكاحها فهو كما لو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت وهي زوجته لم تطلق إجماعاً.
وذهب أبو حنيفة وهو أحد قولَيْ المؤيد بالله إلى أنه يصح التطليق مطلقاً.
وذهب مالك وآخرون إلى التفصيل فقالوا: إن خَصَّ بأن يقول كلُّ امرأةٍ أَتزوجُها من بني فلان أو من بلد كذا فهي طالق أو قال: في وقت كذا وقع الطلاق.
وإن عمم وقال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم يقع شيء.
وقال في نهاية المجتهد: سبب الخلاف هل من شرط وقوع الطلاق وجود الملك متقدماً على الطلاق بالزمان أو ليس من شرطه فمن قال هو من شرطه قال لا يتعلق الطلاق بالأجنبية ومن قال ليس من شرطه إلا وجود الملك فقط قال: يقع.
قلت: دعوى الشرطية تحتاج إلى دليل ومن لم يدعها فالأصل معه.
ثم قال: وأما الفرق بين التخصيص والتعميم فاستحسان مبني على المصلحة وذلك إذا وقع فيه التعميم فلو قلنا بوقوعه امتنع منه التزويج فلم يجد سبيلاً إلى النكاح الحلال فكان من باب النذر بالمعصية وأما إذا خصص فلا يمتنع منه ذلك اهـ.
قلت: سبق الجواب عن هذا بعدم الدليل على الشرطية.
هذا والخلاف في العتق مثل الخلاف في الطلاق فيصح عند أبي حنيفة وأصحابه وعند أحمد في أصح قوليه وعليه أصحابه ومنهم ابن القيم فإنه فرق بين الطلاق والعتاق فأبطله في الأول وقال به في الثاني مستدلاً على الثاني بأن العتق له قوة وسراية فإنه يسري إلى ملك الغير.
ولأنه يصح أن يجعل الملك سبباً للعتق كما لو اشترى عبداً ليعتقه عن كفارة أو نذر أو اشتراه بشرط العتق.
ولأن العتق من باب القرب والطاعات، وهو يصح النذر به وإن لم يكن حال النذر به مملوكاً كقولك: لئن آتاني الله من فضله لأصدقنّ بكذا وكذا، ذكره في الهدي النبوي.
قلت: ولا يخفى ما فيه فإن السراية إلى ملك الغير تفرعت من إعتاقه لما يملكه من الشقص فحكم الشارع بالسراية لعدم تبعض العتق وأما قوله: ولأنه يصح أن يجعل الملك سبباً للعتق كما لو اشترى عبداً ليعتقه فيجاب عنه بأنه لا يعتق هذا الذي اشتراه إلا بإعتاقه كما قال ليعتقه وهذا عتق لما يملكه.
وأما قوله: إنه يصح النذر ومثله بقوله: لئن آتاني الله من فضله فهذه فيها خلاف ودليل المخالف أنه قال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لا نذر فيما لا يملك ابن آدم كما يفيده قوله:
وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي اللَّهُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا نَذْرَ لابْنِ آدَمَ فيما لا يَمْلِكُ، وَلا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لا يَمْلِكُ، ولا طَلاقَ لَهُ فيما لا يمْلكُ" أَخْرَجَهُ أَبُو داودَ وَالتِّرْمِذيُّ وَصَحّحَهُ، وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَاريِّ أَنّهُ أَصَحُّ مَا ورَدَ فيه.
(وَعَنْ عَمْرو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا نَذْرَ لابْنِ آدَمَ فيما لا يَمْلِكُ، وَلا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لا يَمْلِكُ، ولا طَلاقَ لَهُ فيما لا يمْلكُ" أَخْرَجَهُ أَبُو داودَ وَالتِّرْمِذيُّ وَصَحّحَهُ، وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَاريِّ أَنّهُ أَصَحُّ مَا ورَدَ فيه).
تقدم الكلام في ذلك مستوفى.