وعن ابن عُمر رضي اللّهُ عنهما قالَ: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا ينظُرُ اللّهُ إلى مَنْ جرَّ ثوْبهُ خيلأَ" مُتّفقٌ عَليْهِ.
 

بضم الخاء المعجمة والمد: البطر والكبر.
فسر نفي نظر الله بنظر رحمته إليه أي لا يرحم الله من جرّ ثوبه خيلاء سواء كان من النساء أو الرجال. وقد فهمت ذلك أم سلمة فقالت عند سماعها الحديث منه صلى الله عليه وآله وسلم: فكيف تصنع النساء بذيولهنّ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يزدن فيه شبراً" قالت: إذاً تنكشف أقدامهنّ قال: "فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه" أخرجه النسائي والترمذي، والمراد بالذراع ذراع اليد وهو شبران باليد المعتدلة، والمراد جرّ الثوب على الأرض وهو الذي يدل له حديث البخاري "ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار" وتقييد الحديث بالخيلاء دال بمفهومه أنه لا يكون من جره غير خيلاء داخلاً في الوعيد وقد صرح به ما أخرج البخاري وأبو داود والنسائي أنه قال أبو بكر رضي الله عنه لما سمع هذا الحديث: إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده، فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: "إنك لست ممن يفعله خيلاء" وهو دليل على اعتبار المفاهيم من هذا النوع.
وقال ابن عبد البرّ: إن جره لغير الخيلاء مذموم وقال النووي: إنه مكروه وهذا نص الشافعي. وقد صرحت السنة أن أحسن الحالات أن يكون إلى نصف الساق كما أخرجه الترمذي والنسائي عن عبيد بن خالد قال: "كنت أمشي وعليّ برد أجرّه فقال لي رجل: ارفع ثوبك فإنه أبقى وأنقى فنظرت فإذا هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: إنما هي بردة ملحاء فقال: مالك فيّ أسوة؟ قال: فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه" وأما ما هو دون ذلك فإنه لا حرج على فاعله إلى الكعبين، وما دون الكعبين فهو حرام إن كان للخيلاء، وإن كان لغيرها فقال النووي وغيره: إنه مكروه وقد يتجه أن يقال: إن كان الثوب على قدر لابسه لكنه يسدله فإن كان لا عن قصد كالذي وقع لأبي بكر فهو غير داخل في الوعيد، وإن كان الثوب زائداً على قدر لابسه فهو ممنوع من جهة الإسراف، محرم لأجله ولأجل التشبه بالنساء، ولأجل أنه لا يأمن أن تتعلق به النجاسة.

وقال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه فيقول: لا أجره خيلاء لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن يتناوله اللفظ أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول لا أمتثله لأن تلك العلة ليست فيّ، فإنها دعوى غير مسلمة بل إطالة ذيله دالة على تكبره ا هــــ.
وحاصله: أن الإسبال يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس، وقد أخرج ابن منيع عن ابن عمر في أثناء حديث رفعه "إياك وجرّ الإزار فإن جر الإزار من المخيلة" وقد أخرج الطبراني من حديث أبي أمامة وفيه قصة لعمرو بن زرارة الأنصاري "إن الله لا يحب المسبل" والقصة أن أبا أمامة قال: "بينما نحن مع رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة: إزار ورداء، وقد أسبل فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك، حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني حمش الساقين فقال: يا عمرو إن الله قد أحسن كل شيء خلقه إن الله لا يحب المسبل".
وأخرجه الطبري عن عمرو بن زرارة وفيه: وضرب رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أربع أصابع تحت ركبة عمرو وقال: "يا عمرو هذا موضع الإزار" ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع ثم قال: "يا عمرو وهذا موضع الإزار" الحديث ورجاله ثقات.
وحكم غير الثوب والإزار حكمهما، وكذلك لما سأل شعبة محارب بن دثار قال شعبة: أذكر الإزار؟ قال: ما خص إزاراً ولا قميصاً. ومقصوده أن التعبير بالثوب يشمل الإزار وغيره، وأخرج أهل السنن إلا الترمذي عن ابن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الإسبال في الإزار والقميص والعمامة. من جر منها شيئاً خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة" وإن كان في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وفيه مقال.
قال ابن بطال: وإسبال العمامة المراد به إرسال العذبة زائداً على ما جرت به العادة. وأخرج النسائي من حديث عمرو بن أمية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرخى طرف عمامته بين كتفيه. وكذا تطويل أكمام القميص زيادة على المعتاد كما يفعله بعض أهل الحجاز إسبال محرم. وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كل ما زاد على العادة وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة. قلت: وينبغي أن يراد في المعتاد ما كان في عصر النبوة.