وَعَن جُبير بن مطعم رضي اللّهُ عنهُ قال: قال رسولُ اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا يدخلُ الجنّةَ قاطعٌ" يعْني قاطع رحم. مُتفقٌ عَلَيْهِ
 

وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة يرفعه "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما ادّخر له في الآخرة من قطيعة الرحم" وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة يرفعه "إن أعمال أمتي تعرض عشية الخميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم" وأخرج فيه من حديث ابن أبي أوفى "إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم" وأخرج الطبراني من حديث ابن مسعود "إن أبواب السماء مغلقة دون قاطع الرحم".
واعلم أنه اختلف العلماء في حدّ الرحم التي تجب صلتها، فقيل: هي التي يحرم النكاح بينهما بحيث لو كان أحدهما ذكراً حرم على الآخر. فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال. واحتج هذا القائل بتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح لما يؤدي إليه من التقاطع.
وقيل: هو من كان متصلاً بميراث. ويدل عليه قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "ثم أدناك"، وقيل: من كان بينه وبين الآخر قرابة سواء كان يرثه أولاً.
ثم صلة الرحم كما قال القاضي عياض: درجات بعضها أفضل من بعض، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها بالكلام ولو بالسلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة ولم يصل غايتها لم يسم قاطعاً، ولو قصر عما يقدر عليه وينبغي له لم يسم واصلاً.
وقال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة؛ فالعامة رحم الدين، وتجب صلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة. والرحم الخاصة: تزيد بالنفقة على القريب وتفقد حاله والتغافل عن زلته.
وقال ابن أبي جمرة: المعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة، وهذا في حق المؤمنين. وأما الكفار والفساق فتجب المقاطعة لهم إذا لم تنفع الموعظة.
واختلف العلماء أيضاً بأي شيء تحصل القطيعة للرحم، فقال الزين العراقي: تكون بالإساءة إلى الرحم؛ وقال غيره: تكون بترك الإحسان، لأن الأحاديث آمرة بالصلة ناهية عن القطيعة فلا واسطة بينهما، والصلة نوع من الإحسان كما فسرها بذلك غير واحد، والقطيعة ضدها وهي ترك الإحسان.
وأما ما أخرجه الترمذي من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "ليس الواصل بالمكافىء ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها" فإنه ظاهر في أن الصلة إنما هي ما كان للقاطع صلة رحمه. وهذا على رواية قُطعتْ بالبناء للفاعل وهي رواية، فقال ابن العربي في شرحه: المراد الكاملة في الصلة. وقال الطيبي: معناه ليس حقيقة الواصل ومن يعتد بصلته من يكافىء صاحبه بمثل فعله ولكنه من يتفضل على صاحبه.
وقال المصنف: لا يلزم من نفي الوصل ثبوت القطع فهم ثلاث درجات واصل ومكافىء وقاطع، فالواصل: هو الذي يتفضل ولا يتفضل عليه، والمكافىء: هو الذي لا يزيد في الإعطاء على ما يأخذه، والقاطع: الذي لا يتفضل عليه ولا يتفضل. قال الشارح: وبالأولى من يتفضل عليه ولا يتفضل أنه قاطع، قال المصنف: وكما تقع المكافأة بالصلة من الجانبين كذلك تقع بالمقاطعة من الجانبين فمن بدأ فهو القاطع فإن جوزي سمي من جازاه مكافئاً.