[رح] ــــ وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهُما عن النَّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "رِضى الله في رِضى الوالِدين، وسَخْطُ الله في سَخْطِ الوالدين". أخرجه الترمذي، وصحَّحه ابنُ حبان، والحاكم.
 

وعن عبدُ الله بن عَمْرو بنِ العاص رضي الله عنهما عن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: رِضا الله في رِضا الوالدين وسخط الله في سخط الوالدين. أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم.
الحديث دليل على وجوب إرضاء الوالد لوالديه وتحريم إسخاطهما فإن الأول فيه مرضاة الله، والثاني فيه سخطه فيقدم رضاهما على فعل ما يجب عليه من فروض الكافية كما في حديث ابن عمر "أنه جاء رجل يستأذنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في الجهاد فقال: أحي والداك؟ قال: نعم، قال ففيهما فجاهد"، وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد "أن رجلاً هاجر إلى رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم من اليمن فقال: يا رسول الله إني قد هاجرتقال: هل لك أهل باليمن؟ فقال: أبواي، قال: أذنا لك؟ قال: لا قال: فارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما" وفي إسناده مختلف فيه وكذلك غير الجهاد من الواجبات.
وإليه ذهب جماعة من العلماء كالأمير حسين ذكره في الشفاء والشافعي فقالوا: يتعين ترك الجهاد إذا لم يرض الأبوان إلا فرض العين كالصلاة فإنها تقدم وإن لمن يرض بها الأبوان بالإجماع. وذهب الأكثر لى أنه يجوز فعل فرض الكفاية والمندوب وإن لم يرض الأبوان ما لم يتضرر بسبب فقد الولد، وحملوا الأحاديث على المبالغة في حق الوالدين وأنه يتبع رضاهما ما لم يكن في ذلك سخط الله كما قال تعالى {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً}
قلت: الآية إنما هي فيما إذا حملاه على الشرك ومثله غيره من الكبائر، وفيه دلالة على أنه لا يطيعهما في ترك فرض الكفاية والعين، لكن الإجماع خصص فرض العين.
وأما إذا تعارض حق الأب وحق الأم فحق الأم مقدم لحديث البخاري "قال رجل: يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي؟ قال: أمك ــــ ثلاث مرات ــــ ثم قال: أبوك" فإنه دل على تقديم رضا الأم على رضا الأب. قال ابن بطال: مقتضاه أن يكون للأم ثلاث أمثال ما للأب قال: وكأن ذلك لصعوبة الحمل ثم الوضع ثم الرضاع. قلت: وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً} ومثلها: {حملته أمه وهناً على وهن}.
قال القاضي عياض: ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل على الأب في البر، ونقل الحارث المحاسبي الإجماع على هذا، واختلفوا في الأخ والجد من أحق ببره منهما؟ فقال القاضي: الأكثر الجد وجزم به الشافعية. ويقدم من أدلى بسببين على من أدلى بسبب، ثم القرابة من ذوي الرحم، ويقدم منهم المحارم على من ليس بمحرم، ثم العصبات، ثم المصاهرة، ثم الولاء، ثم الجار، وأشار ابن بطال إلى أن الترتيب حيث لا يمكن البر دفعة واحدة.
وورد في تقديم الزوج ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث عائشة "سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الناس أعظم حقاً على المرأة قال: زوجها، قلت: فعلى الرجل؟ قال: أمه" ولعل مثل هذا مخصوص بما إذا حصل التضرر للوالدين فإنه يقدم حقهما على حق الزوج جميعاً بين الأحاديث.
وعَنْ أَنسٍ رضي اللّهُ عنهُ عنِ النّبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "والذي نفسي بيدهِ لا يؤمنُ عَبْدٌ حتى يحبَّ لجارهِ أَو لأخيه ما يحبُّ لِنفسِهِ" مُتّفقٌ عَلَيهِ.
الحديث وقع في لفظ مسلم بالشك في قوله لأخيه أو لجاره. ووقع في البخاري لأخيه بغير شك.
الحديث دليل على عظم حق الجار والأخ، وفيه نفي الإيمان عمن لا يحب لهما ما يحب لنفسه، وتأوله العلماء بأن المراد منه نفي كمال الإيمان؛ إذ قد علم من قواعد الشريعة أن من لم يتصف بذلك لا يخرج عن الإيمان.
وأطلق المحبوب ولم يعين. وقد عينه ما في رواية النسائي في هذا الحديث لفظ "حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه" قال العلماء: والمراد من الطاعات والأمور المباحة.
قال ابن الصلاح: وهذا قد يعد من الصعب الممتنع، وليس كذلك إذ معناه لا يكمل إيمان أحدكم حتى يحب لأخيه في الإسلام ما يحب لنفسه من الخير. والقيام بذلك يحصل بأن يحب له مثل حصوله ذلك من جهة لا يزاحمه فيها بحيث لا تنقص النعمة على أخيه شيئاً من النعمة عليه، وذلك سهل على القلب السليم وإنما يعسر على القلب الدغل. عافانا الله وإخواننا أجمعين ا هــــ.
هذا على رواية الأخ. ورواية الجار عامة للمسلم والكافر والفاسق والصديق والعدو والقريب والأجنبي والأقرب جواراً والأبعد، فمن اجتمعت فيه الصفات الموجبة لمحبة الخير له فهو في أعلى المراتب، ومن كان فيه أكثرها فهو لاحق به وهلم جراً إلى الخصلة الواحدة فيعطي كل ذي حق حقه بحسب حاله.
وقد أخرج الطبراني من حديث جابر "الجيران ثلاثة: جار له حق وهو المشرك له حق الجوار، وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق جار مسلم له رحم له حق الإسلام والرحم والجوار" وأخرج البخاري في الأدب المفرد أن عبد الله بن عمر ذبح شاة فأهدى منها لجاره اليهودي. فإن كان الجار أخاً أحب له ما يحب لنفسه، وإن كان كافراً أحب له الدخول في الإيمان مع ما يحب لنفسه من المنافع بشرط الإيمان.
قال الشيخ محمد بن أبي جمرة: حفظ حق الجار من كمال الإيمان والإضرار به من الكبائر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره" قال: ويفترق الحال في ذلك بالنسبة إلى الجار الصالح وغيره. والذي يشمل الجميع إرادة الخير وموعظته بالحسنى والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يحل له الإضرار بالقول والفعل. والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفه عن الأذى وأمره بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكافر يعرض الإسلام عليه والترغيب فيه برفق. والفاسق يعظه بما يناسبه بالرفق ويستر عليه زلته وينهاه بالرفق فإن نفع وإلا هجره قاصداً تأديبه بذلك مع إعلامه بالسبب ليكف.
ويقدّم عند التعارض من كان أقرب إليه باباً كما في حديث عائشة: "يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما باباً" أخرجه البخاري، والحكمة فيه أن الأقرب باباً يرى ما يدخل بيت جاره من هدية وغيرها فيتشوف له بخلاف الأبعد. وتقدم أن حد الجار أربعون داراً من كل جهة، وجاء عن[اث] علي[/اث] عليه السلام: "من سمع النداء فهو جار" وقيل: من صلى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار.