وعَنْ أَبي هُريرة رضي الله عنهُ قال: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ نَفّس عَنْ مُسْلم كُربةً من كرب الدنيا نفَّس اللّهُ عَنْهُ كُرْبةً منْ كرب يومِ القيامة، ومَنْ يسّر على مُعْسر يَسْر اللّهُ عليه في الدنيا والآخرة، وَمَنْ ستر مُسْلماً ستره اللّهُ في الدنيا والآخرة، والله في عَوْن العبْدِ ما كان العبدُ في عون أَخيه" أَخرجْهُ مُسْلمٌ.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "منْ نَفّس) لفظ مسلم: من فرّج (عَنْ مُسْلمٍ كُرْبةً من كُرب الدنْيا نفّس اللّهُ عَنْهُ كُرْبةً من كُرَب يوم القيامةِ، ومَنْ يَسّر على مُعْسر يَسّر الله عليْهِ في الدنيا والآخرة) هذا ليس في مسلم كما قال الشارح، وقد أخرجه غيره (ومن سَتر مُسلماً سترهُ اللّهُ في الدنيا والآخرة، واللّهُ في عَوْنِ الْعبْدِ ما كانَ العبْدُ في عَوْنِ أَخيه" أخرجه مسلم).
الحديث فيه مسائل:
الأولى: فضيلة من فرّج عن المسلم كربة من كرب الدنيا، وتفريجها إما بإعطائه من ماله إن كانت كربته من حاجة، أو بذل جاهه في طلبه له من غيره أو قرضه، وإن كانت كربته من ظلم ظالم له فرجها بالسعي في رفعها عنه أو تخفيفها، وإن كانت كربة مرض أصابه أعانه على الدواء إن كان لديه أو على طبيب ينفعه، وبالجملة تفريج الكرب باب واسع فإنه يشمل إزالة كل ما ينزل بالعبد أو تخفيفه.
الثانية: التيسير على المعسر هو أيضاً من تفريج الكرب، وإنما خصه لأنه أبلغ، وهو إنظاره لغريمه في الدين أو إبراؤه له منه أو غير ذلك، فإن الله ييسر له عليه أموره ويسهلها له لتسهيله لأخيه فيما عنده له. والتيسير لأمور الآخرة بأن يهون عليه المشاق فيها ويرجح وزن الحسنات ويلقي في قلوب من لهم عنده حق يجب استيفاؤه منه في الآخرة المسامحة وغير ذلك.
ويؤخذ منه أن من عسر على معسر عسر عليه، ويؤخذ منه أنه لا بأس على من عسر على موسر لأن مطله ظلم يحل عرضه وعقوبته.
الثالثة: من ستر مسلماً اطلع منه على ما لا ينبغي إظهاره من الزلات والعثرات فإنه مأجور بما ذكره من ستره في الدنيا والآخرة، فيستره في الدنيا بأن لا يأتي زلة يكره اطلاع غيره عليها، وإن أتاها لم يطلع الله عليها أحداً، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك، وقد حث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الستر فقال في حق ماعز: "هلا سترت عليه بردائك يا هزَّال".
وقال العلماء: وهذا الستر مندوب لا واجب فلو رفعه إلى السلطان كان جائزاً له ولا يأثم به. قلت: ودليله أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يلم هزالاً ولا أبان له أنه آثم، بل حرضه على أنه كان ينبغي له ستره، فإن علم أنه تاب وأقلع حرم عليه ذكر ما وقع منه ووجب عليه ستره، وهو في حق من لا يعرف بالفساد والتمادي في الطغيان؛ وأما من عرف بذلك فإنه لا يستحب الستر عليه بل يرفع أمره إلى من له الولاية إذا لم يخف من ذلك مفسدة، وذلك لأن الستر عليه يغريه على الفساد ويجرّئه على أذيّة العباد ويجرىء غيره من أهل الشر والعناد؛ وهذا يعد انقضاء فعل المعصية.
فأما إذا رآه وهو فيها فالواجب المبادرة لإنكارها والمنع منها مع القدرة على ذلك، ولا يحل تأخيره، لأنه من باب إنكار المنكر، لا يحل تركه مع الإمكان.
وأما إذا رآه يسرق مال زيد فهل يجب عليه أخبار زيد بذلك أو ستر السارق؟ الظاهر أنه يجب عليه إخبار زيد، وإلا كان معيناً للسارق بالكتم منه على الإثم والله تعالى يقول: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
وأما جرح الشهود والرواة والأمناء على الأوقاف والصدقات وغير ذلك فإنه من باب نصيحة المسلمين الواجبة على كل من اطلع عليها، وليس من الغيبة المحرم بل من النصيحة الواجبة وهو مجمع عليه.
الرابعة: الإخبار بأن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فإنه دال على أنه تعالى يتولى إعانة من أعان أخاه، وهو يدل على أنه يتولى عونه في حاجة العبد التي يسعى فيها، وفي حوائج نفسه فينال من عون الله ما لم يكن يناله بغير إعانته، وإن كان تعالى هو المعين لعبده في كل أموره، لكن إذا كان في عون أخيه زادت إعانة الله، فيؤخذ منه أنه ينبغي للعبد أن يشتغل بقضاء حوائج أخيه فيقدمها على حاجة نفسه لينال من الله كمال الإعانة في حاجاته.
وهذه الجمل المذكورة في الحديث دلت على أنه تعالى يجازي العبد من جنس فعله، فمن ستر ستر عليه، ومن يسر يسر عليه، ومن أعان أعين. ثم إنه تعالى بفضله وكرمه جعل الجزاء في الدارين في حق الميسر على المعسر والساتر للمسلم، وجعل تفريج الكربة يجازي به في يوم القيامة؛ كأنه لعظائم يوم القيامة أخر عزّ وجلّ جزاء تفريج الكربة، ويحتمل أن يفرج عنه في الدنيا أيضاً لكنه طوي في الحديث وذكر ما هو أهم.
وعَنْ ابن مَسْعُود رضي اللّهُ عنْهُ قال: قال رسولُ اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "مَنْ دَلَّ على خير فلَهُ مِثْلُ أَجْر فاعله" أَخرَجَهُ مُسْلمٌ.
دل الحديث على أن الدلالة على الخير يؤجر بها الدال عليه كأجر فاعل الخير، وهو مثل حديث "من سن سنّة حسنة في الإسلام كان له أجرها وأجر من عمل بها" والدلالة تكون بالإشارة على الغير بفعل الخير، وعلى إرشاد ملتمس الخير على أنه يطلبه من فلان، والوعظ والتذكير وتأليف العلوم النافعة. ولفظ خير يشمل الدلالة على خير الدنيا والآخرة فلله درّ الكلام النبوي ما أشمل معانيه وأوضح مبانيه ودلالته على خير الدنيا والآخرة.