وعنْ أَبي هُريرة رضي اللّهُ عنهُ قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "من حُسْن إسلام المرْءِ ترْكُهُ ما لا يَعْنيه" رواهُ الترمذيُّ وقال: حسنٌ.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "من حُسْن إسلام المرْءِ ترْكه ما لا يعنيه") أي يهمه من عناه يعنوه ويعنيه أهمه (رواه الترمذي، وقال: حسن).
هذا الحديث من جوامع الكلم النبوية، يعم الأقوال، كما روي أن في صحف إبراهيم عليه السلام من عدّ كلامه من عمله قلَّ كلامه إلا فيما يعنيه. ويعم الأفعال، فيندرج فيه ترك التوسع في الدنيا وطلب المناصب والرياسة وحب المحمدة والثناء وغير ذلك ما لا يحتاج إليه المرء في إصلاح دينه وكفايته من دنياه.
وأما اشتغال العلماء بالمسائل الفرضية فقيل: إنه ليس من الاشتغال بما لا يعني، بل هو مما يؤجرون فيه، لأنهم لما عرفوا من الأحاديث النبوية أنه في آخر الزمان يقل العلم ويفشو الجهل اجتهدوا في ذلك لما يأتي من الزمان ومن يأتي من العباد المحتاجين إلى معرفة الأحكام مع عجزهم عن البحث فإنهم أتعبوا القرائح وخرّجوا التخاريج وقَّدروا التقادير. والأعمال بالنيات.
قلت: لا يخفى أن تخريج التخاريج وتقدير التقادير ليس من العلم المحمود، لأن غايتها أقوال خرجت من أقوال المجتهدين وليست أقوالاً لهم ولا أقوالاً لمن يخرّجها ولا احتياج إليها، والعمل بها مشكل إذ ليست لقائل، إذ القائل بها ليس بمجتهد ضرورة فلا يقلد لأنه إنما يقلد مجتهد عدل، والفرض أن المخرجين ليسوا مجتهدين، وأما تقدير التقادير فإنه قسم من التخاريج إذ غالب ما يقدر أنه يجاب عنه بأقوال المخرجين، وفي كلام عليّ عليه السلام العلم نقطة كثرها الجهال، بل هذه الموضوعات في التخاريج كانت مضرة للناظر في الكتاب والسنّة، إذ شغلت الناظرين عن النظر فيهما ونيل بركتهما فقطعوا الأعمار في تقرير تلك التخاريج. وقد أشبع الكلام على ذلك وعلى ذم الاشتغال به طوائف من علماء التحقيق، وإن كان الاشتغال بها قد عم كل فريق.