وعنْ أَنس رضي اللّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم "كلُّ بني آدم خطّاءٌ وخَيْرُ الخطائين التّوابُون" أَخْرجَهُ الترّمذيُّ وابنُ ماجهْ وسندُهُ قويٌ.
 

(وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلُّ بني آدمَ خطّاءُ) أي كثيرو الخطأ إذ هو صيغة مبالغة (وخير الخطّائين التّوَّابُون" أخرجه الترمذي وابن ماجه وسنده قوي).
والحديث دال على أنه لا يخلو من الخطيئة إنسان لما جبل عليه هذا النوع من الضعف وعدم الانقياد لمولاه في فعل ما إليه دعاه وترك ما عنه نهاه؛ ولكنه تعالى بلطفه فتح باب التوبة لعباده، وأخبر أن خير الخطائين التوابون المكثرون للتوبة على قدر كثرة الخطأ، وفي الأحاديث أدلة على أن العبد إذا عصى الله وتاب تاب الله عليه ولا يزال كذلك ولن يهلك على الله إلا هالك.
وقد خص من هذا العموم يحيــــى بن زكريا عليه السلام فإنه قد ورد أنه ما همّ بخطيئة. وروي أنه لقيه إبليس ومعه معاليق من كل شيء فسأله عنها فقال: هي الشهوات التي أصيب بها بني آدم فقال: هل لي فيها شيء؟ قال: ربما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر قال: هل غير ذلك، قال: لا قال: لله عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبداً فقال إبليس: لله عليّ أن لا أنصح مسلماً أبداً.
وعنْ أَنس رضي اللّهُ عنهُ قال: قالَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الصَّمْتُ حكمةٌ وقليلٌ فاعلُهُ" أَخرجهُ البيهقيُّ في الشعبِ بسندٍ ضعيفٍ وصحح أَنّهُ موقوفٌ من قوْل لُقْمانَ عليه السّلامُ.
وسببه أن لقمان دخل على داود عليه السلام فرآه يسرد درعاً لم يكن رآها قبل ذلك، فجعل يتعجب مما رأى فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته حكمته عن ذلك، فترك ولم يسأله، فلما فرغ قام داود ولبسها ثم قال: نعم الدرع للحرب فقال لقمان: الصمت حكمة ــــ الحديث. وقيل: تردد إليه سنة وهو يريد أن يعلم ذلك ولم يسأله.
وفيه دليل على حسن الصمت ومدحه، والمراد به عن فضول الكلام. وقد وردت عدة أحاديث دالة على مدح الصمت، ومدحه العقلاء والشعراء وفي الحديث "من صمت نجا" وقال عقبة بن عامر: قلت لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك" الحديث، وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من تكفل لي بما بين لحييه ورجليه أتكفل له بالجنة" وقال معاذ رضي الله عنه له صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أنؤاخذ بما نقول؟ قال: "ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت" والأحاديث فيه واسعة جداً والآثار عن السلف كذلك.
واعلم أن فضول الكلام لا تنحصر، بل المهم محصور في كتاب الله تعالى حيث قال: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} وآفاته لا تنحصر فعد منها الخوض في الباطل وهو الحكاية للمعاصي من مخالطة النساء ومجالس الخمر ومواقف الفساق وتنعم الأغنياء وتجبر الملوك ومراسمهم المذمومة وأحوالهم المكروهة، فإن كل ذلك مما لا يحل الخوض فيه فهذا حرام، ومنها الغيبة والنميمة وكفى بهما هلاكاً في الدين. ومنها المراء والمجادلة والمزاح، ومنها الخصومة والسب والفحش وبذاءة اللسان والاستهزاء بالناس والسخرية والكذب. وقد عد الغزالي في الإحياء عشرين آفة، وذكر في كل آفة كلاماً بسيطاً حسناً وذكر علاج هذه الآفات.