وَعَنْهُ رَضيَ اللّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ليس الشّديد بالصُّرعةِ، وإنما الشّديد الذي يملكُ نَفْسهُ عند الْغضَبِ" متفقٌ عليه.
 

(وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ليْس الشديد بالصُّرعةِ) بضم الصاد المهملة وفتح الراء وبالعين المهملة على زنة همزة صيغة مبالغة أي كثير الصرع (إنّما الشّديدُ الذي يملك نفسه عِنْد الغَضَبِ" متفق عليه).
المراد بالشديد هنا: شدّ القوّة المعنوية وهي مجاهدة النفس وإمساكها عند الشر ومنازعتها للجوارح للانتقام ممن أغضبها، فإن النفس في حكم الأعداء الكثيرين، وغلبتها عما تشتهيه في حكم من هو شديد القوّة في غلبة الجماعة الكثيرين فيما يريدونه منه.
وفيه إشارة إلى أن مجاهدة النفس أشدّ من مجاهدة العدوّ لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوّة. وحقيقة الغضب حركة النفس إلى خارج الجسد لإرادة الانتقام. والحديث فيه إرشاد إلى أن من أغضبه أمر وأرادت النفس المبادرة إلى الانتقام ممن أغضبه أن يجاهدها ويمنعها عما طلبت.
والغضب غريزة في الإنسان فمهما قصد أو نوزع في غرض ما اشتعلت نار الغضب وثارت حتى يحمّر الوجه والعينان من الدم، لأن البشرة تحكي لون ما وراءها، وهذا إذا غضب على من دونه واستشعر القدرة عليه، وإن كان ممن فوقه تولد منه انقباض الدم من ظاهر الجلد إلى جوف القلب فيصفّر اللون، وإن كان على النظير تردّد الدم بين انقباض وانبساط فيحمرّ ويصفرّ، والغضب يترتب عليه تغير الباطن والظاهر كتغير اللون والرعدة في الأطراف وخروج الأفعال على غير ترتيب، واستحالة الخلقة حتى لو رأى الغضبان نفسه في حالة غضبه لسكن غضبه حياء من قبح صورته واستحالة خلقته، هذا في الظاهر، وأما في الباطن فقبحه أشدّ من الظاهر، لأنه يولد حقداً في القلب وإضمار السوء على اختلاف أنواعه، بل قبح باطنه متقدم على تغير ظاهره، فإن تغير الظاهر ثمرة تغير الباطن، فيظهر على اللسان الفحش والشتم، ويظهر في الأفعال بالضرب والقتل وغير ذلك من المفاسد.
وقد ورد في الأحاديث دواء هذا الداء. فأخرج ابن عساكر موقوفاً "الغضب من الشيطان والشيطان خلق من النار، والماء يطفيء النار فإذا غضب أحدكم فليغتسل" وفي رواية "فليتوضأ" وأخرج ابن أبي الدنيا "إذا غضب أحدكم فقال: أعوذ بالله سكن غضبه" وأخرج أحمد "إذا غضب أحدكم فليسكت" وأخرج أحمد وأبو داود وابن حبان: "إذا غضب أحدكم فليجلس فإذا ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع" وأخرج أبو الشيخ "الغضب من الشيطان فإذا وجده أحدكم قائماً فليجلس وإن وجده جالساً فليضطجع".
والنهي متوجه إلى الغضب على غير الحق؛ وقد بوب البخاري "باب ما يجوز من الغضب والشدّة لأمر الله" وقد قال تعالى: {جاهد الكفار والمشركين واغلظ عليهم} وذكر خمسة أحاديث في كل منها غضبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في أسباب مختلفة راجعة إلى أن كل ذلك كان لأمر الله، وإظهار الغضب فيه منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليكون أوكد وقد ذكر تعالى في موسى وغضبه لما عبد قومه العجل وقال: {ولما سكت عن موسى الغضب}.