وعَنْ مَعْقل بن يسار رضي اللّهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رسولَ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقولُ: "ما مِنْ عَبْدٍ يسترعيه الله رعيّةً يموتُ يومَ يمُوتُ وهُوَ غاشٌّ لِرَعيَّتهِ إلا حرَّمَ الله عليه الجنَّةَ" مُتّفقٌ عليهِ.
 

أخرجه البخاري من رواية الحسن وفيه قصة: وهي أن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، "وكان عبيد الله عاملاً على البصرة في إمارة معاوية وولده يزيد" أخرجه الطبراني في الكبير من وجه آخر عن الحسن قال: قدم إلينا عبيد الله بن زياد أميراً أمره علينا معاوية غلاماً سفيهاً يسفك الدماء سفكاً شديداً وفيها معقل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له: انته عما أراك تصنع، فقال له: وما أنت وذاك ثم خرج إلى المسجد فقال له: ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رءوس الناس فقال: إنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس، ثم مرض فدخل عليه عبيد الله يعوده فقال له معقل بن يسار: إني أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؛ قال: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحظها بنصيحة لم يرح رائحة الجنة" ولفظ رواية المصنف أحد روايتي مسلم.
وسبب الخلاف معارضة الأصول في هذا الباب بعضها لبعض، ومعارضة الأثر لها، وذلك أن من الأصول في هذا الباب أن الوقيذ محرّم بالكتاب والإجماع ومن أصوله أن العقر ذكاة الصيد فمن رأى أن ما قتله المعراض وقيذ منعه على الإطلاق ومن رآه عقراً مختصاً بالصيد، وأن الوقذ غير معتبر فيه لم يمنعه على الإطلاق، ومن فرق بينما خزق من ذلك وما لم يخزق نظر إلى حديث عدي هذا وهو الصواب.
وأخرج مسلم "ما من أمير يلي أمر المسلمين لا يجتهد معهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة" ورواه الطبراني وزاد: "كنصحه لنفسه"، وأخرج الطبراني بإسناد حسن "ما من إمام ولا والٍ بات ليل سوداء غاشاً لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة، وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عاماً" وأخرج الحاكم وصححه من حديث أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "من وليَ من أمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم" وأخرج أحمد والحاكم أيضاً وصححه من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين" وفي إسناده واهٍ، إلا أن ابن نمير وثقه وحسن له الترمذي أحاديث، والراعي: هو القائم بمصالح من يرعاه.
وقوله: "يوم يموت" مراده أن يدركه الموت وهو غاشٍ لرعيته غير تائب من ذلك. والغش: بالكسر ضد النصح، ويتحقق غشه بظلمه لهم وأخذ أموالهم وسفك دمائهم وانتهاك أعراضهم واحتجابه عن خلتهم وحاجتهم وحبسه عنهم ما جعله الله لهم من مال الله سبحانه، المعين للمصارف، وترك تعريفهم بما يجب عليهم من أمر دينهم ودنياهم، وإهمال الحدود، وردع أهل الفساد وإضاعة الجهاد وغير ذلك مما فيه مصالح العباد، ومن ذلك توليته لمن لا يحوطهم، ولا يراقب أمر الله فيهم، وتوليته من غيره أرضى لله منه مع وجوده.
والأحاديث دالة على تحريم الغش، وأنه من الكبائر، لورود الوعيد عليه بعينه فإن تحريم الجنة هو وعيد الكافرين في القرآن كما قال تعالى: {فقد حرّم الله عليه الجنة} وهو على رأي من يقول بخلود أهل الكبائر في النار واضح، وقد حمله من لا يرى خلود أهل الكبائر في النار على الزجر والتغليظ، قال ابن بطال: هذا وعيد شديد على أئمة الجور، فمن ضيع من استرعاه الله عليهم أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة، فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة؟ ومعنى "حرم الله عليه الجنة" أي أنفذ عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين.