وعَنْ عائشة رضي اللّهُ عَنْهَا قالتْ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أَبْغَضُ الرِّجال إلى الله الألدُ الخصمُ" أَخْرَجَهُ مُسْلمٌ.
 

(وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أَبغض الرِّجال إلى الله الألدُّ الْخصمُ") بفتح الخاء وكسر الصاد المهملة (أخرجه مسلم).
الألد مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه، والخصم شديد الخصومة الذي يحج مخاصمه، ووجه الاشتقاق أنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر. وقد وردت أحاديث في ذم الخصومة كحديث: "من جادل في خصومة بغير علم لم يزل في سخط الله حتى ينزع" تقدّم تخريجه. وأخرج الترمذي وقال: غريب من حديث ابن عباس مرفوعاً "كفى بك إثماً أن لا تزال مخاصماً" وظاهر إطلاق الأحاديث أن الخصومة مذمومة ولو كانت في حق.
وقال النووي في الأذكار: فإن قلت: لا بدّ للإنسان من الخصومة لاستيفاء حقه، فالجواب ما أجاب به الغزالي أن الذمّ إنما هو لمن خاصم بباطل وبغير علم، كوكيل القاضي، فإنه يتوكل قبل أن يعرف الحق في أي جانب، ويدخل في الذم من يطلب حقاً لكن لا يقتصر على قدر الحاجة بل يظهر اللدد والكذب لإيذاء خصمه، وكذلك من يحمله على الخصومة محض العناد لقهر خصمه وكسره؛ ومثله من يخلط الخصومة بكلمات تؤذي وليس إليها ضرورة في التوصل إلى غرضه فهذا هو المذموم، بخلاف المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد وإسراف وزيادة الحجاج على الحاجة من غير قصد عناد ولا إيذاء، ففعله هذا ليس مذموماً ولا حراماً لكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلاً. وفي بعض كتب الشافعية أنها تردّ شهادة من يكثر الخصومة لأنها تنقص المروءة لا لكونها معصية.