وعَنْ أَبي الدرداءِ رضي الله عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ما منْ شيءٍ في الميزان أَثقل من حُسنِ الخلق" أَخرجَهُ أَبو داودَ والتِّرمذي وصحّحهُ.
 

وتقدم الكلام في حقيقته بما لا يحتاج فيه إلى الإعادة لقرب عهده.
وعَنْ ابن عُمَر رضي اللّهُ عنهُما قالَ: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الحياءُ من الإيمان" مُتفقٌ عليه.
الحياء في اللغة: تغير وانكسار يلحق الإنسان من خوف ما يعاب به وفي الشرع: خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق..
والحياء وإن كان قد يكون غريزة فهو في استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فلذلك كان من الإيمان. وقد يكون كسبياً، ومعنى كونه من الإيمان أن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي، فيصير كالإيمان القاطع بينه وبين المعاصي. وقال ابن قتيبة: معناه أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصي كما يمنع الإيمان، فسمي إيماناً كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه، والحياء مركب من جبن وعفة. وفي الحديث "الحياء خير كله ولا يأتي إلا بخير".
فإن قلت: قد يمنع الحياء صاحبه عن إنكار المنكر وهو إخلال ببعض ما يجب فلا يتم عموم "أنه لا يأتي إلا بخير".
قلت: قد أجيب عنه بأن المراد من الحياء في الأحاديث الحياء الشرعي. والحياء الذي ينشأ عنه ترك بعض ما يجب ليس حياء شرعياً بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه الحياء لمشابهته الحياء الشرعي، وبجواب آخر: وهو أن من كان الحياء من خلقه فالخير عليه أغلب، أو أنه إذا كان الحياء من خلقه كان الخير فيه بالذات، فلا ينافيه حصول التقصير في بعض الأحوال.
قال القرطبي في المفهم شرح مسلم: وكان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد جمع له النوعان من الحياء المكتسب والغريزي، وكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان في المكتسب في الذروة العليا صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم.