وعَنْ عبد الله بن سَلام رضي اللّهُ عنهُ قالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "يا أَيها النّاسُ أَفْشُو السّلام وصِلُوا الأرحامَ وأَطعموا الطّعامَ وصَلُّوا بالليلِ والنّاسُ نيامٌ، تَدخُلُوا الجنة بسلامٍ" أَخرجَهُ الترمذي وصحّحهُ.
 

الإفشاء لغة: الإظهار، والمراد نشر السلام على من يعرفه وعلى من لا يعرفه، وأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر أن رجلاً سأل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
ولا بدّ في السلام أن يكون بلفظ مسمع لمن يرد عليه. وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح عن ابن عمر: "إذا سلمت فأسمع فإنها تحية من عند الله"، قال النووي: أقله أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه فإن لم يسمعه لم يكن آتياً بالسنة فإن شك استظهر.
وإن دخل مكاناً فيه أيقاظ ونيام فالسنة ما ثبت في صحيح مسلم عن المقداد قال: "كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يجيء من الليل فيسلم تسليماً لا يوقظ نائماً ويسمع اليقظان"، فإن لقي جماعة يسلم عليهم جميعاً، ويكره أن يخص أحدهم بالسلام لأنه يولد الوحشة، ومشروعية السلام لجلب التحاب والألفة؛ فقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً "ألا أدلكم على ما تحابون به؟ أفشوا السلام بينكم".
ويشرع السلام عند القيام من الموقف كما يشرع عند الدخول لما أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة مرفوعاً "إذا قعد أحدكم فليسلم وإذا قام فليسلم فليست الأولى أحق من الآخرة" وتكره أو تحرم الإشارة باليد أو الرأس لما أخرجه النسائي بسند جيد عن جابر مرفوعاً "لا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف" إلا أنه يستثنى من ذلك حال الصلاة فقد وردت أحاديث بأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يردّ على من يسلم عليه وهو يصلي بالإشارة، وقد قدمنا تحقيق ذلك في الحديث العشرين من باب شروط الصلاة في الجزء الأول. وجوزت الإشارة بالسلام على من بعد عن سماع لفظ السلام.
قال ابن دقيق العيد: وقد يستدل بالأمر بإفشاء السلام من قال بوجوب الابتداء بالسلام، ويرد عليه أنه لو كان الابتداء فرض عين على كل أحد كان فيه حرج ومشقة، والشريعة على التخفيف والتيسير، فيحمل على الاستحباب ا هــــ. قال النووي: في التسليم على من لم يعرف إخلاص العمل لله تعالى واستعمال التواضع وإفشاء السلام الذي هو شعار هذه الأمة، وقال ابن بطال في مشروعية السلام على غير معروف: استفتاح المخاطبة للتأنيس ليكون المؤمنون كلهم إخوة فلا يستوحش أحد من أحد.
وتقدم الكلام على صلة الأرحام مستوفى، وعلى إطعام الطعام، فيشمل من يجب عليه إنفاقه ويلزم إطعامه ولو عرفاً أو عادة، وكالصدقة على السائل للطعام وغيره، فالأمر محمول على فعل ما هو أولى من تركه ليشمل الواجب والمندوب. والأمر بصلاة الليل في قوله: "صلوا بالليل" فقد ورد تفسيره بصلاة العشاء، والمراد بالناس: اليهود والنصارى، ويحتمل أنه أريد ذلك وما يشمل نافلة الليل. وقوله "تدخلوا الجنة بسلام" إخبار بأن هذه الأفعال من أسباب دخول الجنة، وكأنه بسببها يحصل لفاعلها التوفيق وتجنب ما يوبقها من الأعمال وحصول الخاتمة الصالحة.
وذهب أحمد إلى أنه لا يدخل العتق لما أخرجه البيهقي من حديث معاذ مرفوعاً "إذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله لم تطلق، وإذا قال لعبده أنت حرّ إن شاء الله فإنه حر" إلا أنه قال البيهقي: تفرّد به حميد بن مالك وهو مجهول، واختلف عليه في إسناده.