حديث أنس مرفوعاً "الدعاء مخ العبادة"
 

الذكر: مصدر ذكر وهو ما يجري على اللسان والقلب، والمراد به ذكر الله "والدعاء": مصدر دعا وهو الطلب، ويطلق على الحث على فعل الشيء، نحو دعوت فلاناً استعنته. ويقال: دعوت فلاناً سألته. ويطلق على العبادة وغيرها.
واعلم أن الدعاء ذكر الله وزيادة؛ فكل حديث في فضل الذكر يصدق عليه، وقد أمر الله تعالى عباده بدعائه فقال: {ادعوني استجب لكم} أخبرهم بأنه قريب يجيب دعاءهم فقال: {وإذ سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
وسماه مخ العبادة ففي الحديث عند الترمذي من حديث أنس مرفوعاً "الدعاء مخ العبادة" وأخبر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى يغضب على من لم يدعه، فإنه أخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة مرفوعاً "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أنه تعالى يحب أن يسأل، فأخرج الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعاً "سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل" والأحاديث في الحث عليه كثيرة، وهو يتضمن حقيقة العبودية والاعتراف بغنى الرب وافتقار العبد، وقدرته تعالى وعجز العبد، وإحاطته تعالى بكل شيء علماً. فالدعاء يزيد العبد قرباً من ربه، واعترافاً بحقه، ولذا حث صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم على الدعاء وعلم الله عباده دعاءه بقوله: {ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} الآية ونحوها، وأخبرنا بدعوات رسله وتضرعهم حيث قال أيوب: {ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} وقال زكريا عليه السلام: {ربي لا تذرني فرداً} {فهب لي من لدنك ولياً} وقال أبو البشر: {ربنا ظلمنا أنفسنا} وقال يوسف: {ربي قد اتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث} إلى قوله {توفني مسلماً وألحقني بالصالحين}. وقال يونس:: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء:87]، ودعا نبينا صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم في مواقف لا تنحصر عند لقاء الأعداء وغيرها، ودعواته في الصباح والمساء والصلوات وغيرها معروفة. فالعجب من الاشتغال بذكر الخلاف بين من قال التفويض والتسليم أفضل من الدعاء فإن قائل هذا ما ذاق حلاوة الماجة لربه ولا تضرع واعترافه بحاجته وذنبه.
واعلم أنه قد ورد من حديث أبي سعيد عند أحمد:"أنه لا يضيع الدعاء بل لا بد للداعي من إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته،، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" وصححه الحاكم وللدعاء شرائط ولقبوله موانع قد أودعناها أوائل الجزء الثاني من التنوير شرح الجامع الصغير وذكرنا فائدة الدعاء مع سبق القضاء.