وَعَنْهُ رضي اللّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسُولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ما قعدَ قَوْمٌ مقعداً لمْ يذكروا الله فيه ولمْ يُصلُّوا على النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إلا كان عليهمْ حسرةً يوْمَ القيامة" أَخرجهُ الترمذي وقال: حَسَنٌ.
 

زاد "فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" وأخرجه أحمد بلفظ "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم ترة، وما من رجل يمشي طريقاً فلم يذكر الله تعالى إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله عزّ وجلّ إلا كان عليه ترة" وفي رواية "إلا كان عليه حسرة يوم القيامة. وإن دخل الجنة" والترة: بمثناة فوقية مكسورة فراء بمعنى الحسرة وقال ابن الأثير: هي النقص.
والحديث دليل على وجوب الذكر والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في المجلس سيما مع تفسير الترة بالنار أو العذاب، فقد فسرت بهما، فإن التعذيب لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محظور، وظاهره أن الواجب هو الذكر والصلاة عليه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم معاً. وقد عدّت مواضع الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم فبلغت ستة وأربعين موضعاً.
قال أبو العالية: معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته، ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له بحصول الثناء والتعظيم. وفيها أقوال أخر هذا أجودها. وقال غيره: الصلاة منه تعالى على رسوله تشريف وزيادة تكرمة وعلى من دون النبي رحمة فمعنى قولنا: اللهم صلِ على محمد: عظم محمداً أو المراد بالتعظيم: إعلاء ذكره، وإظهار دينه وإبقاء شريعته في الدنيا، وفي الآخرة بإحراز مثوبته وتشفيعه في أمته. والشفاعة العظمى للخلائق أجمعين في المقام المحمود، ومشاركة الآل والأزواج بالعطف يراد به في حقهم التعظيم اللائق بهم. وبهذا يظهر وجه اختصاص الصلاة بالأنبياء استقلالاً دون غيرهم. ويتأيد هذا بما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس يرفعه "إذا صليتم عليّ فصلوا على أنبياء الله فإن الله تعالى بعثهم كما بعثني" فجعل العلة البعثة فتكون مختصة بمن بعث. وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن عباس "ما أعلم الصلاة تنبغي لأحد على أحد إلا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" وحكى القول به عن مالك وقال: ما تعبدنا به.
وقال القاضي عياض: عامة أهل العلم على الجواز قال: وأنا أميل إلى قول مالك، وهو قول المحققين من المتكلمين والفقهاء.
قالوا: يذكر غير الأنبياء بالترضي والغفران، والصلاة على غير الأنبياء يعني استقلالاً لم تكن من الأمر بالمعروف، وإنما حدثت في دولة بني هاشم يعني العبيديين. وأما الملائكة فلا أعلم فيه حديثاً وإنما يؤخذ ذلك من حديث ابن عباس لأن الله سماهم رسلاً. وأما المؤمنون فقالت طائفة: لا تجوز استقلالاً وتجوز تبعاً فيما ورد به النص كالآل والأزواج والذرّية، ولم يذكر في النص غيرهم فيكون ذلك خاصاً ولا يقاس عليهم الصحابة ولا غيرهم، وقد بينا أنه يدعى للصحابة ونحوهم بما ذكره الله من أنه رضي عنهم وبالمغفرة كما أمر بها رسوله: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} وأمّا الصلاة عليهم فلم ترد.
والمسألة فيها خلاف معروف، فقال بجوازه البخاري، ووردت أحاديث بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صلى على آل سعد بن عبادة. أخرجه أبو داود والنسائي بسند جيد، وورد بأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم صلى على آل أبي أوفى، فمن قال بجوازه استقلالاً على سائر المؤمنين فهذا دليله. ومن أدلته أن الله تعالى قال: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته} ومن منع قال: هذا ورد من الله ومن رسوله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم لم يرد الإذن لنا.
وقال ابن القيم: يصلى على غير الأنبياء والملائكة وأزواج النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وذرّيته وأهل طاعته على سبيل الإجمال. ويكره في غير الأنبياء لشخص مفرد بحيث يصير شعاراً لا سيما إذا ترك في حق مثله وأفضل منه ــــ كما تفعل الرافضة ــــ فلو اتفق وقوع ذلك مفرداً في بعض الأحايين من غير أن يتخذ شعاراً لم يكن فيه بأس.
واختلفوا أيضاً في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل: يشرع مطلقاً، وقيل: تبعاً ولا يفرد بواحد لكونه صار شعاراً للرافضة، ونقله النووي عن الشيخ محمد الجويني. قلت: هذا التعليل بكونه صار شعاراً لا ينهض على المنع والسلام على الموتى قد شرعه الله على لسان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" وكان ثابتاً في الجاهلية كما قال الشاعر:
[شع] عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما[/شع]
[شع] وما كان قيس موته موت واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما[/شع].