عن ابن عُمرَ رضي الله عنهما عنْ رسولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَنّهُ أَدركَ عُمَرَ بنَ الخطاب في رَكْبٍ وعُمرُ يحلفُ بأَبيه فناداهم رسول اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أَلا إن الله ينهاكمْ أَنْ تحلِفُوا بآبائكمْ فمنْ كان حالفاً فلْيحلف بالله أَوْ ليصمتْ" متّفقٌ عليه. |
الأيمان: بفتح الهمزة جمع يمين، وأصل اليمين في اللغة اليد وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كل بيمين صاحبه. "والنذور" جمع نذر وأصله الإنذار بمعنى التخويف وعرفه الراغب: بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر. عن ابن عُمرَ رضي الله عنهما عنْ رسولِ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أَنّهُ أَدركَ عُمَرَ بنَ الخطاب في رَكْبٍ وعُمرُ يحلفُ بأَبيه فناداهم رسول اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "أَلا إن الله ينهاكمْ أَنْ تحلِفُوا بآبائكمْ فمنْ كان حالفاً فلْيحلف بالله أَوْ ليصمتْ" متّفقٌ عليه. (عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم أنه أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ركب) الركب ركبان الإبل اسم جمع أو جمع وهم العشرة فصاعداً وقد يكون للخيل (وعمر يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله) ليس المراد أنه لا يحلف إلا بهذا اللفظ بدليل أنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يحلف بغيره نحو "مقلب القلوب" كما يأتي (أَوْ لِيَصْمُت") بضم الميم مثل قتل يقتل (متفق عليه). وفي رواية لأبي داودَ والنسائيِّ عنْ أَبي هريرة مرفوعاً "لا تحلِفوا بآبائكمْ ولا بأُمهاتكُمْ ولا بالأنْدادِ، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله إلا وأَنتمْ صادقونَ". (وفي رواية لأبي داود والنسائي عن أبي هريرة مرفوعاً: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأُمهاتكم، ولا بالأنداد) الند بكسر أوله المثل، والمراد هنا أصنامهم وأوثانهم التي جعلوها لله تعالى أمثالاً لعبادتهم إياها وحلفهم بها نحو قولهم واللات والعزى (ولا تحلفوا بالله إلا وأَنتم صادقون"). الحديثان دليل على النهي عن الحلف بغير الله تعالى وهو للتحريم كما هو أصله، وبه قالت الحنابلة والظاهرية. وقال ابن عبد البرّ: لا يجوز الحلف بغير الله تعالى بالإجماع. وفي رواية عنه إن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها لا يجوز لأحد الحلف بها. وقوله "لا يجوز" بيان أنه أراد بالكراهة التحريم كما صرح به أولاً، وقال الماوردي: لا يجوز لأحد أن يحلف أحداً بغير الله تعالى لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر، وإذا حلف الحاكم أحداً بذلك وجب عزله. وعند جمهور الشافعية والمشهور عن المالكية أنه للكراهة ومثله للهادوية ما لم يسوّ في التعظيم. قلت: لا يخفى أن الأحاديث واضحة في التحريم لما سمعت ولما أخرج أبو داود والحاكم واللفظ له من حديث ابن عمر أنه قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "من حلف بغير الله كفر" وفي رواية للحاكم "كل يمين يحلف بها دون الله تعالى شرك" ورواه أحمد بلفظ "من حلف بغير الله فقد أشرك" وأخرج مسلم: "من حلف منكم فقال في حلفه: واللات والعزى؛ فليقل لا إله إلا الله" وأخرج النسائي من حديث سعد بن أبي وقاص أنه حلف باللات والعزى قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وانفث عن يسارك ثلاثاً وتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تعد". فهذه الأحاديث الأخيرة تقوّي القول بأنه محرّم لتصريحها بأنه شرك من غير تأويل ولذا أمر بتجديد الإسلام والإتيان بكلمة التوحيد. واستدل القائل بالكراهة بحديث: أفلح ــــ وأبيه ــــ إن صدق" أخرجه مسلم. وأجيب عنه أولاً: بأنه قال ابن عبد البرّ: إن هذه اللفظة غير محفوظة وقد جاءت عن راويها: "أفلح والله إن صدق" بل زعم بعضهم أن راويها صحف "والله" إلى "وأبيه"، وثانياً: أنها لم تخرج مخرج القسم بل هي من الكلام الذي يجري على الألسنة مثل: تربت يداه، ونحوه. وقولنا: من غير تأويل إشارة إلى تأويل القائل بالكراهة فإنه تأول قوله: "فقد أشرك" بما قاله الترمذي: قد حمل بعض العلماء مثل هذا على التغليظ كما حمل بعضهم قوله "الرياء شرك" على ذلك. وأجيب بأن هذا إنما يرفع القول بكفر من حلف بغير الله ولا يرفع التحريم كما أن الرياء محرّم اتفاقاً ولا يكفر من فعله كما قال ذلك البعض. واستدل القائل بالكراهة بأن الله تعالى قد أقسم في كتابه بالمخلوقات من الشمس والقمر وغيرهما. وأجيب بأنه ليس للعبد الاقتداء بالرب تعالى فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، على أنها كلها مؤوّلة بأن المراد ورب الشمس ونحوه. ووجه التحريم أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به ومنع النفس عن الفعل أو عزمها عليه بمجرد عظمة من حلف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يلحق به غيره. ويحرم الحلف بالبراءة من الإسلام أو من الدين أو بأنه يهودي أو نحو ذلك لما أخرجه أبو داود وابن ماجه والنسائي بإسناد على شرط مسلم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من حلف فقال: إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً". والأظهر عدم وجوب الكفارة في الحلف بهذه المحرّمات، إذ الكفارة مشروعة فيما أذن الله تعالى أن يحلف به لا فيما نهى عنه، ولأنه لم يذكر الشارع كفارة، بل ذكر أنه يقول كلمة التوحيد لا غير. |