وعنْ عُقْبةَ بن عامر رضي الله عنهُ قال: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "كَفّارة النّذْر كفارة يمين" رواه مسلمٌ، وزاد الترمذي فيهِ "إذا لمْ يُسمَّ" وصححهُ.
 

الحديث دليل على أن من نذر بأي نذر من مال أو غيره فكفارته كفارة يمين ولا يجب الوفاء به، وإلى هذا ذهب جماعة من فقهاء أهل الحديث كما قال النووي.
وقد أخرج البيهقي عن عائشة رضي الله عنها: في رجل جعل ماله في المساكين صدقة قالت: "كفارة يمين" وأخرج أيضاً عن أم صفية أنها سمعت عائشة رضي الله عنها وإنسان يسألها عن الذي يقول: كل ماله في سبيل الله أو كل ماله في رتاج الكعبة، ما يكفر ذلك؟ قالت عائشة: "يكفره ما يكفر اليمين" وكذا أخرجه عن عمر وابن عمر وأم سلمة، قال البيهقي: هذا في غير العتق، فقد روي عن[اث] ابن عمر[/اث] من وجه آخر أن العتاق يقع، وكذلك عن[اث] ابن عباس[/اث]؛ ودليلهم حديث عقبة هذا.
وذهب آخرون: إلى تفصيل في المنذور به فإن كان المنذور به فعلاً، فالفعل إن كان غير مقدور فهو غير منعقد، وإن كان مقدوراً فإن كان جنسه واجباً لزم الوفاء به عند الهادوية ومالك وأبي حنيفة وجماعة آخرين، وقول للشافعي إنه لا ينعقد النذر المطلق بل يكون يميناً فيكفرها، ذكر هذا الخلاف في البحر. وذهب داود وأهل الظاهر وذكر النووي في شرح مسلم أنه أجمع المسلمون على صحة النذر ووجوب الوفاء به إذا كان الملتزم طاعة، فإن كان معصية أو مباحاً كدخول السوق لم ينعقد النذر ولا كفارة عليه عندنا وبه قال جمهور العلماء. وقال أحمد وطائفة: فيه كفارة يمين.
وقال في نهاية المجتهد: إنه وقع الاتفاق على لزوم النذر بالمال إذا كان في سبيل البر وكان على جهة الجزم، وإن كان على جهة الشرط فقال مالك: يلزم كالجزم ولا كفارة يمين في ذلك، إلا أنه إذا نذر بجميع ماله لزم ثلث ماله إذا كان مطلقاً، وإن كان المنذور به معيناً لزمه وإن كان جميع ماله، وكذا إذا كان المعين أكثر من الثلث، وذهب الشافعي إلى أنها تجب كفارة يمين، لأنه ألحقها بالأيمان، ثم ذكر أقاويل في المسألة لا ينهض عليها دليل، وذكر متمسك القائلين بأدلة ليست من باب النذر ولا تنطبق على المدعي، وحديث عقبة أحسن ما يعتمد الناظر عليه.
وقد حمله جماعة من فقهاء الحديث على جميع أنواع النذر، وقالوا: هو مخير في جميع أنواع المنذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة يمين، ذكره النووي في شرح مسلم، وهو الذي دل عليه إطلاق حديث عقبة.