أحكام المولود
 
 

بسم الله الرحمن الرحيم

أحكام المولود

الأذان و الإقامة في أذني المولود

استحب أهل العلم اذا وضع المولود أن يؤذن في أذنه اليمنى ،و يقام في أذنه اليسرى ،رجاء أن يحفظه الله من أم الصبيان و هي تابعة الجان . لما روي :ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ـ من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى ، و أقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان ـ :ـ

منهاج المسلم أبو بكر جابر الجزائري

 

تحنيك الصبي:ـ

التحنيك معناه: مضغ التمرة، ودلك حنك المولود بها، وذلك بوضع جزء من الممضوغ علي الأصبع، وادخال الأصبع في فم المولود، ثم تحريكه يمينا وشمالا بحركة لطيفة، حتي يتبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة وان لم يتيسر التمر فليكن التحنيك بأية مادة حلوة كالمعقود، أو رائب السكر الممزوج بماء الزهر، تطبيقا للسنة واقتداء بفعله عليه الصلاة والسلام.ـ ولعل الحكمة من ذلك تقوية عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكين بالتلمظ، حتي يتهيأ المولود للقم الثدي، وامتصاص اللبن بشكل قوي، وحالة طبيعية، ومن الأفضل أن يقوم بعملية التحنيك من يتصف بالتقوي والصلاح تبركا وتيمنا بصلاح المولود وتقواه. ومن الأحاديث التي استدل بها الفقهاء علي استحباب التحنيك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسي رضي الله عنه قال: ولد لي غلام فأتيت به النبي صلي الله عليه وسلم سماه ابراهيم وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة ودفعه إلي.ـ وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلما رجع أبوطلحة قال: ما فعل الصبي؟ قالت أم سليم: هو أسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشي، ثم أصاب (أي جامع)، فلما فرغ قالت: وار الصبي (أي قم علي دفنه)، فلما أصبح أبوطلحة أتي النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره، قال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما، فولدت غلاما، فقال لي أبوطلحة: احمله حتي تأتي به النبي صلي الله عليه وسلم، وبعث معه بتمرات فأخذها النبي صلي الله عليه وسلم فمضغها، ثم أخذ من فيه فجعلها في فيِ الصبي (أي في فمه) ثم حنكه، وسماه عبدالله.ـ

الدكتور عبد الله علوان

 

في هديه صلى الله عليه و سلم في العقيقة

في الموطأ أنه سئل عنها فقال : ـ لا أحب العقوق ـ كأنه كره الإسم ،وصح عنه من حديث عائشة رضي الله عنها : ـ عن الغلام شاتان و عن الجارية شاة ـ و قال :ـ كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، و يحلق رأسه و يسمى ـ و الرهن في اللغة : الحبس ، قيل : محبوسا عن الشفاعة لأبويه ، و الظاهر أنه مرتهن في نفسه محبوس من خير يراد به، و لا يلزم منه أن يعاقب في الاخرة . و قد يفوت الولد خير بسبب تفريط الأبوين ، كترك التسمية عند الجماع ، وذكر أبو داود في ـ المراسيل ـ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال في عقيقة الحسن و الحسين :ـ أن يبعثوا الى بيت القابلة برجل ، و كلوا و أطعموا و لا تكسوا منها عظما ـ قال الميموني : تذاكرنا لكم يسمى الصبي ؟ فقال أبوعبد الله : يروى عن أنس أنه يسمى لثلاثة ، و أما سمرة ، فقال : يسمى اليوم السابع .ـ

زاد المعاد للامام ابن قيم الجوزية رحمه الله - باختصارـ

 

في هديه في الأسماء و الكنى

ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : ـ ان أخنع اسم عند الله و قوله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك ، لا مالك الا الله ـ و ثبت عنه : ـ ان أحب الأسماء الى الله عبد الله و عبد الرحمن ، و اصدقها حارث و همام و أقبحها حرب و مرة ـ و ثبت عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : لا تسمين غلامك يسارا و لا رباحا و لا نجيحا و لا أفلح ، فانك تقول : أثم هو ؟ فلا يكون ، فيقول : لاـ

و ثبت عنه أنه غير اسم عاصية ، و قال : أنت جميلة ـ و كان اسم جويرية برة ، فغيره باسم جويرية ، و قالت زينب بنت أم سلمة : نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يسمى بهذا الإسم ، و قال : ـ لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم ـ و غير اسم أبي الحكم بأبي شريح ، و غير اسم أصرم بزرعة ، و غير اسم حزن جد ابن المسيب بسهل ، فأبى ، و قال : السهل يوطأ و يمتهن .ـ

و قال أبو داود : و غير النبي صلى الله عليه و سلم اسم العاص و عزيز و عتلة و شيطان و الحكم و غراب و حباب و شهاب ، فسماه هشاما ، و سمى حربا سلما ، و سمى المضطجع المنبعث ، و أرضا عفرة سماها خضرة و شعب الضلالة سماها شعب الهدى ، و بنو مغوية سماهم بني رشدة .ـ

و لما كانت تلك الأسماء قوالب للمعاني دالة عليها ، اقتضت الحكمة أن يكون بينها و بينها ارتباط و تناسب ، و أن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض ، فان الحكمة تأبى ذلك ، و الواقع يشهد بخلافه ، بل للأسماء تأثير في المسميات ، و للمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن والقبح ، و الخفة و الثقل ، و اللطافة و الكثافة ، كما قيل :ـ

و قل ان أبصرت عيناك ذا لقب ـــ الا و معناه ان فكرت في لقبه

و كان صلى الله عليه و سلم يحب الإسم الحسن و أمر اذا أبردوا اليه بريدا أن يكون حسن الإسم ، حسن الوجه ، و كان يأخذ المعاني من أسمائها في المنام و اليقظة ، كما رأى انه هو و أصحابه في دار عقبة بن رافع ، فأتوا برطب من رطب ـ تمر ـ ابن طاب ، فأوله أن العاقبة لهم في الدنيا ، و الرفعة في الأخرة ، و أن الدين الذي اختاره الله لهم قد أرطب و طاب . و تأول سهولة الأمر يوم الحديبية من مجيء سهيل ، و ندب جماعة الى حلب شاة ، فقال :ـ ما اسمك ؟ـ قال أظنه حرب .قال : اجلس ـ فقام اخر ، فقال :ـ ما سمك؟ ـ قال : يعيش . قال : احلبها ـ

و كان يكره الأمكنة المنكرة الأسماء، و يكره العبور فيها ، كما مر بين جبلين ، فسأل عن اسمهما ، فقالوا : فاضح و مخزي فعدل عنهما.ـ

و لما كان بين الأسماء و المسميات من الإرتباط و التناسب و القرابة ما بين قوالب الأشياء و حقائقها ، و ما بين الأرواح و الأجسام ، عبر العقل من كل منهما الى الأخر ، كما كان اياس بن معاوية ـ الذكي ـ و غيره يرى الشخص ، فيقول : ينبغي أن يكون اسمه كيت و كيت . فلا يكاد يخطئ، و ضد هذا من اسمه الى مسماه، كما سأل عمر رجلا عن اسمه ، فقال: جمرة . فقال : ما اسم ابيك ؟ فقال:شهاب .قال فمنزلك ؟ قال: بحرة النار .قال : فأين مسكنك؟ قال : بذات لظى . قال: اذهب فقد احترق مسكنك .قال: فذهب فوجد الأمر كذلك . كما عبر النبي صلى الله عليه و سلم عن اسم سهيل الى سهولة أمرهم ، و أمر أمته بتحسين أسمائهم ، و أخبر أنهم يدعون يوم القيامة بها ، و تأمل كيف اشتق النبي صلى الله عليه و سلم من وصفه اسمان مطابقان لمعناه ، و هما أحمد و محمد ، فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة و شرفها و فضلها غيره أحمد. و كذلك تكنيته لأبي الحكم بأبي جهل ، و كذلك تكنية الله عز وجل لعبد العزى بأبي لهب لما كان مصيره الى ذات لهب ، و لما قدم النبي صلى الله عليه و سلم المدينة ،و اسمها يثرب ، سماها طيبة لما زال عنها من معنى التثريب . و لما كان الإسم الحسن يقتضي مسماه قال صلى الله عليه و سلم لبعض العرب : ـ يا بني عبد الله ان الله قد أحسن اسمكم و اسم أبيكم ـ فانظر كيف دعاهم الى عبودية الله بذلك .ـ

و تأمل أسماء الستة المتبارزين يوم بدر ، فالوليد له بداية الضعف ، و شيبة له نهايته ، و عتبة من العتب ، و أقرانهم علي و عبيدة و الحارث ، العلو و العبودية و السعي الذي هو الحرث ، و لذلك كان أحب الأسماء الى الله ما اقتضى أحب الأوصاف اليه ، فاضافة العبودية الى اسمه ـ الله ـ و ـ الرحمن ـ أحب اليه من اضافتها الى ـ القادر ـ و ـ القاهر ـ و غيرهما ، و هذا لأن التعلق الذي بين العبد و ربه ىانما هو العبودية المحضة ، و التعلق بين الله و بين العبد بالرحمة المحضة ، فبرحمته كان وجوده و كماله ، و الغاية التي أوجده لأجلها أن يتألهه وحده محبة و خوفا و رجاء . و لما كان كل عبد متحركا بالإرادة ، و ترتب على ارادته حرثه و كسبه ، كان أصدق الأسماء همام و الحارث ، و لما كان الملك الحق لله وحده ، كان أخنع اسم عند الله ، و أغضبه له اسم ـ شاهان شاه ـ أي ملك الملوك ، و سلطان السلاطين ، فان ذلك ليس لأحد غير الله عز وجل ، فتسمية غيره بهذا باطل ، و الله لا يحب الباطل ، و قد ألحق بعضهم بهذا قاضي القضاة ، و يليه بالقبح سيد الناس ، لأن ذلك ليس لأحد الا لرسول الله صلى الله عليه و سلم .ـ

و لما كان مسمى الحرب و المرارة أكره شيء للنفوس ، كان أقبح الأشياء حربا و مرة ، و على قياسه حنظلة و حزن و ما أشبههما ، و لما كانت أخلاق الأنبياء أشرف الأخلاق ، كانت في أسمائهم أحسن الأسماء ، فندب النبي صلى الله عليه و سلم أمته الى التسمي بأسمائهم ، كما في سنن أبي داود و النسائي عنه :ـ تسموا بأسماء الأنبياء ـ و لو لم يكن فيه الا أن الإسم يذكر بمسماه ، و يقتضي التعلق بمعناه ، لكفى به مصلحة .ـ

و أما النهي عن تسمية الغلام بيسار و نحوه ، فهو لمعنى اخر أشار اليه في الحديث ، و هو قوله:ـ فانك تقول: أثم هو؟ ـ الى أخره، و الله أعلم هل هي من تمام الحديث أو مدرجة ؟ فان هذه الأسماء لما كانت قد توجب تطيرا ، و قد تقطع الطيرة على المتطيرين ، فاقتضت حكمة الرؤوف بـأمته أن يمنعهم من أسباب توجب سماع المكروه ، أو وقوعه هذا الى ما ينضاف الى ذلك من تعليق ضد الإسم عليه ، بأن يسمى يسارا من هو من أعسر الناس ، و نجيحا من لا نجاح معه ، و رباحا من هو من الخاسرين ، فيكون قد وقع في الكذب عليه و على الله . و أمر أخر أن يطالب بمقتضى اسمه ، فلا يوجد ، فجعل ذلك سببا لسبه ، كما قيل :ـ

سموك لجهلهم سدسدا ـــــــ والله ما فيك من سداد

و هذا كما أن من المدح ما يكون ذما موجبا لسقوط الممدوح عند الناس ، فانه يمدح بما ليس فيه ، فتطالبه النفوس بما مدح به ، و تظنه عنده ، فلا تجده كذلك فينقلب ذما ، و لو ترك لغير مدح لم تحصل تلك المفسدة ، و امر اخر و هو اعتقاد المسمى أنه كذلك ، فيقع في تزكية نفسه كما نهى أن تسمى برة ، فعلى هذا تكره التسمية بالرشيد و المطيع و الطائع و أمثال ذلك .ــ

و أما تسمية الكفار بذلك ، فلا يجوز التمكين منه و لا دعاؤهم بشيء من ذلك :ـ

و أما الكنية ، فهي نوع تكريم ، و كنى النبي صلى الله عليه وسلم صهيبا بأبي يحيى، و عليا بأبي تراب ، و كنى أخا انس و هو صغير بابي عمير ، و كان هديه تكنية من له و لد ، و من لا ولد له ، و لم يثبت عنه أنه نهى عن كنية الا الكنية بأبي القاسم ، فاختلف فيه ، فقيل : لا يجوز مطلقا ، و قيل : لا يجوز الجمع بينها و بين اسمه ، و فيه حديث صححه الترمذي ، وقيل : يجوز الجمع بينهما ، و لحديث علي : ان ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك ، و أكنيه بكنيتك ؟ قال: ـ نعم ـ صححه الترمذي ، و قيل: المنع منه مختص بحياته .ـ

و الصواب أن التكني بكنيته ممنوع منه ، و المنع في حياته أشد ، و الجمع بينهما ممنوع منه، و حديث علي في صحته نظر ، و الترمذي فيه نوع تساهل في التصحيح، و قد قال علي: انها رخصة له ، وهذا يدل على بقاء المنع لمن سواه ، و حديث عائشة : ـ ما الذي أحل اسمي ،و حرم كنيتي ـ غريب ، لا يعارض بمثله الحديث الصحيح.ـ

و كره قوم من السلف الكنية بأبي عيسى ، و أجازه اخرون ، فروى أبو داود عن زيد بن أسلم أن عمر ضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى ، و أن المغيرة تكنى بأبي عيسى ، فقال عمر: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله ؟ فقال : ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بذلك، فقال : ان رسول الله صلى الله عليه و سلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ، و انا لفي جلجلتنا .فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك.ـ

و نهى عن تسمية العنب كرما، و قال:ـ الكرم قلب المؤمن ـ و هذا لأن اللفظة تدل على كثرة الخير و المنافع ،و قال:ـ لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا و انها العشاء ، و انهم يسمونها العتمة ـ و قال:ـ لو يعلمون ما في العتمة و الصبح لأتوهما و لو حبوا ـ و الصواب أنه لم ينه عن اطلاق هذا الإسم بالكلية ، و انما نهى عن أن يهجر اسم العشاء ، و هذا محافظة منه على الإسم الذي سمى الله به العبادات فلا تهجر ،و يؤثر عليها غيرها ، كما فعله المتأخرون ،ونشأ به من الفساد ما الله به عليم ، و هذا لمحافظته على تقديم ما قدمه الله.ـ

و بدأ في العيد بالصلاة ، ثم النحر و بدأ في اعضاء الوضوء بالوجه ، ثم اليدين ، ثم الرأس ، ثم الرجلين ، و قدم زكاة الفطر على صلاة العيد ، لقوله : قد أفلح من تزكى و ذكر اسم ربه فصلىـ سورة الأعلى 14ـ15 و نظائره كثيرة

زاد المعاد للامام ابن قيم الجوزية رحمه الله - باختصارـ