قصة الملكين التائبين
 
قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا المسعودي عن سماك بن حرب عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه قال بينما رجل فيمن كان قبلكم كان في مملكته ففكر فعلم أن ذلك منقطع عنه
وأن ما هو فيه قد شغله عن عبادة ربه فانساب ذات ليلة من قصره وأصبح في مملكة غيره وأتى ساحل البحر فكان به يضرب اللبن بالآجر فيأكل ويتصدق بالفضل ولم يزل كذلك حتى رقى أمره إلى ملكهم فأرسل إليه فأبى أن يأتيه فركب إليه الملك فلما رآه ولى هاربا فركض في أثره فلم يدركه فناداه يا عبدالله إنه ليس عليك مني بأس فقام حتى أدركه فقال له من أنت رحمك الله فقال أنا فلان بن فلان صاحب مملكة كذا وكذا ففكرت في أمري فعلمت أنما أنا فيه منقطع وأنه قد شغلني عن عبادة ربي عز وجل فتركته وجئت ههنا أعبد ربي فقال له ما أنت بأحوج لما صنعت مني قال فنزل عن دابته فسيبها وتبعه فكانا جميعا يعبدان الله عز وجل فدعوا الله أن يميتهما جميعا فماتا قال عبدالله فلو كنت برملية مصر لأريتكم قبورهما بالنعت الذي نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديث آخر قال البخاري حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم إن رجلا كان قبلكم رغسه الله مالا فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم قالوا خير أب قال فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في يوم عاصف ففعلوا فجمعه الله عز وجل فقال ما حملك فقال مخافتك فتلقاه برحمته ورواه في مواضع أخر ومسلم من طرق عن قتادة به ثم رواه البخاري ومسلم من حديث ربعي بن حراش عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ومن حديث الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه
حديث آخر قال البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبدالله حدثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يداين الناس فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا قال فلقي الله فتجاوز عنه وقد رواه في مواضع أخر ومسلم من طريق الزهري به
حديث آخر قال البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبدالله حدثني مالك عن محمد بن المنكدر عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون قال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجل أرسل على طائفة من بني إسرائيل وعلى من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه قال أبو النضر لا يخرجكم إلا فرارا منه ورواه مسلم من حديث مالك ومن طرق أخر عن عامر بن سعد به حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا داود بن أبي الفرات حدثنا عبدالله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن عائشة قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون أخبرني أنه عذاب يبعثه الله على من يشاء من عباده وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد تفرد به البخاري عن مسلم من هذا الوجه
حديث آخر قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا ليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجتريء عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب ثم قال إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها وأخرجه بقية الجماعة من طرق عن الليث بن سعد به
حديث آخر وقال البخاري حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة سمعت النزال بن سبرة الهلالي عن ابن مسعود قال سمعت رجلا قرأ وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية وقال كلاكما محسن ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا تفرد به البخاري دون مسلم
حديث آخر قال البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبدالله حدثنا إبراهيم عن صالح عن ابن شهاب قال قال أبو سلمة بن عبدالرحمن إن أبا هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم تفرد به دون مسلم وفي سنن أبي داود صلوا في نعالكم خالفوا اليهود
حديث آخر قال البخاري حدثنا علي بن عبدالله حدثنا سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس سمعت عمر يقول قاتل الله فلانا ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها رواه مسلم من حديث ابن عيينة ومن حديث عمرو بن دينار به ثم قال البخاري تابعه جابر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا الحديث طرق كثيرة وسيأتي في باب الحيل من كتاب الأحكام إن شاء الله وبه الثقة
حديث آخر قال البخاري حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا عبد الوارث حدثنا خالد عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى فأمر بلال ان يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة وأخرجه بقية الجماعة من حديث أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي به والمقصود من هذا مخالفة أهل الكتاب في جميع شعارهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان المسلمون يتحينون وقت الصلواة بغير دعوة إليها ثم أمر من ينادي فيهم وقت الصلاة الصلاة جامعة ثم أرادوا أن يدعوا إليها بشيء يعرفه الناس فقال قائلون نضرب بالناقوس وقال آخر نوري نارا فكرهوا ذلك لمشابهة أهل الكتاب فأرى عبدالله بن زيد بن عبد ربه الانصاري في منامه الأذان فقصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بلالا فنادى كما هو مبسوط في موضعه من باب الأذان في كتاب الأحكام
حديث آخر قال البخاري حدثنا بشر بن محمد أنبأنا عبدالله أنبأنا معمر ويونس عن
الزهري أخبرني عبيدالله بن عبدالله أن عائشة وابن عباس قالا لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة على وجهه فإذا أغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا وهكذا رواه في غير موضع ومسلم من طرق عن الزهري به
حديث آخر قال البخاري حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا أبو غسان قال حدثني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه فقلنا يا رسول الله اليهود والنصارى قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن وهكذا رواه مسلم من حديث زيد بن أسلم به
والمقصود من هذه الأخبار عما يقع من الأقوال والأفعال المنهي عنها شرعا مما يشابه أهل الكتاب قبلنا أن الله ورسوله ينهيان عن مشابهتهم في أقوالهم وأفعالهم حتى لو كان قصد المؤمن خيرا لكنه تشبه ففعله في الظاهر فعلهم وكما نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها لئلا تشابه المشركين الذين يسجدون للشمس حينئذ وإن كان المؤمن لا يخطر بباله شيء من ذلك بالكلية وهكذا قوله تعالى يا أيها الذين أمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم فكان الكفار يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم كلامهم معه راعنا أي انظر إلينا ببصرك واسمع كلامنا ويقصدون بقولهم راعنا من الرعونة فنهى المؤمنين أن يقولوا ذلك وإن كان لا يخطر ببال أحد منهم هذا أبدا فقد روى الإمام أحمد والترمذي من حديث عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم فليس للمسلم ان يتشبه بهم لا في أعيادهم ولا مواسمهم ولا في عباداتهم لأن الله تعالى شرف هذه الأمة بخاتم الأنبياء الذي شرع له الدين العظيم القويم الشامل الكامل الذي لو كان موسى بن عمران الذي أنزلت عليه التوراة وعيسى بن مريم الذي أنزل عليه الإنجيل حيين لم يكن لهما شرع متبع بل لو كانا موجودين بل وكل الأنبياء لما ساغ لواحد منهم ان يكون على غير هذه الشريعة المطهرة المشرفة المكرمة المعظمة فإذا كان الله تعالى قد من علينا بأن جعلنا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فيكف يليق بنا أن نتشبه بقوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل قد بدلوا دينهم وحرفوه وأولوه حتى صار كأنه غير ما شرع لهم أولا ثم هو بعد ذلك كله منسوخ والتمسك بالمنسوخ حرام لا يقبل الله منه قليلا ولا كثيرا ولا فرق بينه وبين الذي لم يشرع بالكلية والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
حديث آخر قال البخاري حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أجلكم في أجل من خلا من قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس
وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين إلا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى المغرب على قيراطين قيراطين إلا لكم الأجر مرتين فغضب اليهود والنصارى فقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال الله تعالى هل ظلمتكم من حقكم شيئا فقالوا لا قال فإنه فضلي أوتيه من أشاء وهذا الحديث فيه دليل على أن مدة هذه الامة قصيرة بالنسبة إلى ما مضى من مدد الأمم قبلها لقوله إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس فالماضي لا يعلمه إلا الله كما أن الآتي لا يعلمه إلا هو ولكنه قصير بالنسبة إلى ما سبق ولا اطلاع لاحد على تحديد ما بقي إلا الله عز وجل كما قال الله تعالى لا يجليها لوقتها إلا هو وقال يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها وما تذكره بعض الناس من الحديث المشهور عند العامة من أنه عليه السلام لا يؤلف تحت الأرض فليس له أصل في كتب الحديث وورد فيه حديث أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة وفي صحته نظر والمراد من هذا التشبيه بالعمال تفاوت أجورهم وأن ذلك ليس منوطا بكثرة العمل وقلته بل بأمور أخر معتبرة عند الله تعالى وكم من عمل قليل أجدى ما لا يجديه العمل الكثير هذه ليلة القدر العمل فيها أفضل من عبادة ألف شهر سواها وهؤلاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنفقوا في أوقات لو أنفق غيرهم من الذهب مثل أحد ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه من تمر وهدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره وقبضه وهو ابن ثلاث وستين على المشهور وقد برز في هذه المدة التي هي ثلاث وعشرون سنة في العلوم النافعة والأعمال الصالحة على سائر الانبياء قبله حتى على نوح الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ويعمل بطاعة الله ليلا ونهارا صباحا ومساء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء أجمعين فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته كما قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم . فصل : وأخبار بني إسرائيل كثيرة جدا في الكتاب والسنة النبوية ولو ذهبنا نتقصى ذلك لطال الكتاب ولكن ذكرنا ما ذكره الإمام أبو عبدالله البخاري في هذا الكتاب ففيه مقنع وكفاية وهو تذكرة وأنموذج
لهذا الباب والله أعلم وأما الأخبار الإسرائيلية فيما يذكره كثير من المفسرين والمؤرخين فكثيرة جدا ومنها ما هو صحيح موافق لما وقع وكثير منها بل أكثرها مما يذكره القصاص مكذوب مفترى وضعه زنادقتهم وضلالهم وهي ثلاثة أقسام منها ما هو صحيح لموافقته ما قصه الله في كتابه أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها ما هو معلوم البطلان لمخالفته كتاب الله وسنة رسوله ومنها ما يحتمل الصدق والكذب فهذا الذي أمرنا بالتوقف فيه فلا نصدقه ولا نكذبه كما ثبت في الصحيح إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وتجوز روايته مع هذا الحديث المتقدم وحدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج