فصل (تتابع الوحي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام )
 

قال ابن اسحاق ثم تتابع الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصدق بما جاءه منه قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم وللنبوة أثقال ومؤنة لا يحملها ولا يستضلع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس وما يرد عليهم مما جاؤا به عن الله عز وجل فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى
قال ابن اسحاق وآمنت خديجة بنت خويلد وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره وكانت أول من آمن بالله ورسوله وصدقت بما جاء منه فخفف الله بذلك عن رسوله لا يسمع شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع اليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس رضي الله عنها وارضاها
قال ابن اسحاق وحدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نضب وهذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث هشام قال ابن هشام القصب هاهنا اللؤلؤ المجوف
قال ابن اسحاق وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر جميع ما أنعم الله بع عليه وعلى العباد من النبوة سرا إلى من يطمئن اليه من أهله وقال موسى بن عقبة عن الزهري كانت خديجة أول من آمن بالله وصدق رسوله قبل أن تفرض الصلاة
قلت يعني الصلوات الخمس ليلة الاسراء فأما أصل الصلاة فقد وجب في حياة خديجة رضي الله عنها كما سنبينه
وقال ابن اسحاق وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدق بما جاء به ثم أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افترضت عليه الصلاة فهمز له بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت له عين من ماء زمزم فتوضأ جبريل ومحمد عليهما السلام ثم صلى ركعتين وسجد أربع سجدات ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقر الله عينه وطابت نفسه وجاءه ما يحب من الله فأخذ يد خديجة حتى أتى بها الى العين فتوضأ كما توضأ جبريل ثم ركع ركعتين وأربع سجدات ثم كان هو وخديجة يصليان سرا
قلت صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين فبين له أوقات الصلوات الخمس أولها وآخرها فان ذلك كان بعد فرضيتها ليلة الاسراء وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان لل) .
أول من أسلم من متقدمي الاسلام والصحابة وغيرهم
قال ابن اسحاق ثم إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جاء بعد ذلك بيوم وهما يصليان فقال علي يا محمد ما هذا قال دين الله الذي اصطفى لنفسه وبعث به رسله فادعوك إلى الله وحده لا شريك له وإلى عبادته وأن تكفر باللات والعزى فقال علي هذا أمر لم أسمع به قبل اليوم فلست بقاض أمرا حتى أحدث به أبا طالب فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفشي عليه سره قبل أن يستعلن أمره فقال له يا علي إذ لم تسلم فاكتم فمكث علي تلك الليلة ثم أن الله اوقع في قلب علي الاسلام فاصبح غاديا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فقال ماذا عرضت علي يا محمد فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وتكفر باللات والعزى وتبرأ من الأنداد ففعل علي وأسلم ومكث يأتيه على خوف من أبي طالب وكتم علي اسلامه ولم يظهره وأسلم ابن حارثة يعني زيدا فمكثا قريبا من شهر يختلف علي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
مما أنعم الله به على علي أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام
قال ابن اسحاق حدثني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال وكان مما أنعم الله به على علي أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس وكان من أيسر بني هاشم يا عباس إن أخاك ابا طالب كثير العيال وقد اصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق حتى تخفف عنه من عياله فاخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فضمه اليه فلم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله نبيا فاتبعه علي وآمن به وصدقه وقال يونس بن بكير عن محمد ابن اسحاق حدثني يحيى بن أبي الاشعث الكندي من أهل الكوفة حدثني اسماعيل بن أبي إياس بن عفيف عن ابيه عن جده عفيف وكان عفيف أخا الاشعث بن قيس لأمه أنه قال كنت امرءا تاجرا فقدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب امرءا تاجرا فاتيته ابتاع منه وابيعه قال فبينا نحن إذ خرج رجل من خباء فقام يصلي تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلي وخرج غلام فقام يصلي معه فقلت يا عباس ما هذا الدين إن هذا الدين ما ندري ما هو فقال هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب آمن به قال عفيف فليتني كنت آمنت يومئذ فكنت أكون ثانيا وتابعه ابراهيم بن سعد عن ابن اسحاق وقال في الحديث إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى السماء فلما رآها قد مالت قام يصلي ثم ذكر قيام خديجة وراءه وقال ابن جرير حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا سعيد بن خثيم عن أسد ابن عبدة البجلي عن يحيى بن عفيف قال جئت زمن الجاهلية إلى مكة فنزلت على العباس بن عبد المطلب فلما طلعت الشمس وحلقت في السماء وأنا أنظر إلى الكعبة أقبل شاب فرمى ببصره إلى السماء ثم استقبل الكعبة فقام مستقبلها فلم يلبث حتى جاء غلام فقام عن يمينه فلم يلبث حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة فخر الشاب ساجدا فسجدا معه فقلت يا عباس أمر عظيم فقال أمر عظيم فقال أتدري من هذا فقلت لا فقال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي أتدري من الغلام قلت لا قال هذا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أتدري من هذه المرأة التي خلفهما قلت لا قال هذه خديجة بنت خويلد زوجة ابن أخي وهذا حدثني أن ربك رب السماء والأرض أمره بهذا الذي تراهم عليه وايم الله ما أعلم على ظهر الأرض كلها أحدا على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة وقال ابن جرير حدثني ابن حميد حدثنا عيسى بن سوادة بن أبي الجعد حدثنا محمد بن المنكدر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو حازم والكلبي قالوا علي أول من أسلم قال الكلبي اسلم وهو ابن تسع سنين وحدثنا
ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن اسحاق قال أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه وصدقه علي بن ابي طالب وهو ابن عشر سنين وكان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام قال الواقدي أخبرنا إبراهيم عن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال اسلم علي وهو ابن عشر سنين قال الواقدي واجمع أصحابنا على أن عليا أسلم بعد ما تنبأ رسول الله بسنة وقال محمد بن كعب أول من أسلم من هذه الأمة خديجة وأول رجلين أسلما أبو بكر وعلي وأسلم علي قبل أبي بكر وكان علي يكتم إيمانه خوفا من أبيه حتى لقيه أبوه قال أسلمت قال نعم قال وازر ابن عمك وانصره قال وكان أبو بكر الصديق أول من أظهر الاسلام وروى ابن جرير في تاريخه من حديث شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال أول من صلى علي وحدثنا عبد الحميد بن يحيى حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء وروى من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة رجل من الأنصار سمعت زيد بن أرقم يقول أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب قال فذكرته للنخعي فانكره وقال أبو بكر أول من أسلم ثم قال حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا العلاء عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله سمعت عليا يقول أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الاكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر صليت قبل الناس بسبع سنين وهكذا رواه ابن ماجه عن محمد بن اسماعيل الرازي عن عبيد الله بن موسى الفهمي وهو شيعي من رجال الصحيح عن العلاء بن صالح الازدي الكوفي وثقوه ولكن قال أبو حاتم كان من عتق الشيعة وقال علي بن المديني روى أحاديث مناكير والمنهال بن عمرو ثقة وأما شيخه عباد بن عبد الله وهو الاسدي الكوفي فقد قال فيه علي بن المديني هو ضعيف الحديث وقال البخاري فيه نظر وذكره ابن حبان في الثقات وهذا الحديث منكر بكل حال ولا يقوله علي رضي الله عنه وكيف يمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين هذا لا يتصور أصلا والله أعلم وقال آخرون أول من أسلم من هذه الأمة أبو بكر الصديق والجمع بين الاقوال كلها أن خديجة أول من أسلم من النساء وظاهر السباقات وقيل الرجال أيضا وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة وأول من أسلم من الغلمان علي بن ابي طالب فانه كان صغيرا دون البلوغ على المشهور وهؤلاء كانوا إذ ذاك أهل البيت
وأول من اسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصديق وإسلامه كان أنفع من اسلام من تقدم ذكرهم إذ كان صدرا معظما ورئيسا في قريش مكرما وصاحب مال وداعية إلى الاسلام وكان محببا متألفا يبذل المال في طاعة الله ورسوله كما سيأتي تفصيله قال يونس عن ابن اسحاق ثم أن أبا بكر الصديق لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا وتسفهك
عقولنا وتكفيرك آبائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى إني رسول الله ونبيه بعثني لابلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق فوالله إنه للحق أدعوك يا ابا بكر إلى الله وحده لا شريك له ولا تعبد غيره والموالاة على طاعته وقرأ عليه القرآن فلم يقر ولم ينكر فاسلم وكفر بالاصنام وخلع الانداد وأقر بحق الاسلام ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق
قال ابن اسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عكم عنه حين ذكرته ولا تردد فيه عكم أي تلبث وهذا الذي ذكره ابن اسحاق في قوله فلم يقر ولم ينكر منكر فان ابن اسحاق وغيره ذكروا أنه كان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وكان يعلم من صدقه وأمانته وحسن سجيته وكرم أخلاقه ما يمنعه من الكذب على الخلق فكيف يكذب على الله ولهذا بمجرد ما ذكر له إن الله أرسله بادر إلى تصديقه ولم يتلعثم ولا عكم وقد ذكرنا كيفية اسلامه في كتابنا الذي افردناه في سيرته وأوردنا فضائله وشمائله واتبعنا ذلك بسيرة الفاروق أيضا وأوردنا ما رواه كل منهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاحاديث وما روى عنه من الآثار والاحكام والفتاوى فبلغ ذلك ثلاث مجلدات والله الحمد والمنة وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي الدرداء في حديث ما كان بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الخصومة وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني اليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين فما أوذي بعدها وهذا كالنص على أنه أول من أسلم رضي الله عنه وقد روى الترمذي وابن حبان من حديث شعبة عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ألست أحق الناس بها ألست أول من اسلم الست صاحب كذا وروى ابن عساكر من طريق بهلول بن عبيد حدثنا أبو اسحاق السبيعي عن الحارث سمعت عليا يقول أول من اسلم من الرجال أبو بكر الصديق وأول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم من الرجال علي بن أبي طالب وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال أول من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق رواه أحمد والترمذي والنسائي من حديث شعبة وقال الترمذي حسن صحيح وقد تقدم رواية ابن جرير لهذا الحديث من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن زيد بن أرقم قال أول من أسلم علي بن ابي طالب قال عمرو بن مرة فذكرته لابراهيم النخعي فانكره وقال أول من اسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وروى الواقدي باسانيده عن أبي أروى الدوسي وأبي مسلم بن عبد الرحمن في جماعة من السلف أول من اسلم أبو بكر الصديق وقال يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر الحميدي حدثنا سفيان بن عيينة عن مالك بن مغول
عن رجل قال سئل ابن عباس من أول من آمن فقال أبو بكر الصديق أما سمعت قول حسان
إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة * فاذكر أخاك ابا بكر بما فعلا
خير البرية أوفاها وأعدلها * بعد النبي وأولاها بما حملا
والتالي الثاني المحمود مشهده * وأول الناس منهم صدق الرسلا
عاش حميدا لأمر الله متبعا * بأمر صاحبه الماضي وما انتقلا
وقد رواه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شيخ لنا عن مجالد عن عامر قال سألت ابن عباس او سئل ابن عباس أي الناس أول إسلاما قال أما سمعت قول حسان بن ثابت فذكره وهكذا رواه الهيثم بن عدي عن مجالد عن عامر الشعبي سألت ابن عباس فذكره وقال أبو القاسم البغوي حدثني سريج بن يونس حدثنا يوسف بن الماجشون قال أدركت مشيختنا منهم محمد بن المنكدر وربيعة بن ابي عبد الرحمن وصالح بن كيسان وعثمان بن محمد لا يشكون أن أول القوم اسلاما أبو بكر الصديق رضي الله عنه
قلت وهكذا قال ابراهيم النخعي ومحمد بن كعب ومحمد بن سيرين وسعد بن ابراهيم وهو المشهور عن جمهور أهل السنة وروى ابن عساكر عن سعد بن أبي وقاص ومحمد بن الحنفية أنهما قالا لم يكن أولهم اسلاما ولكن كان أفضلهم اسلاما قال سعد وقد آمن قبله خمسة وثبت في صحيح البخاري من حديث همام بن الحارث عن عمار بن ياسر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر وروى الامام أحمد وابن ماجه من حديث عاصم بن أبي النجود عن زر عن ابن مسعود قال أول من أظهر الاسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد فاما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه وأما أبو بكر منعه الله بقومه وأما سائرهم فاخذهم المشركون فالبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالا فانه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فاخذوه فاعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول أحد أحد وهكذا رواه الثوري عن منصور عن مجاهد مرسلا فاما ما رواه ابن جرير قائلا أخبرنا ابن حميد حدثنا كنانة بن حبلة عن ابراهيم بن طهمان عن حجاج عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال قلت لأبي أكان أبو بكر أولكم اسلاما قال لا ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ولكن كان افضلنا اسلاما فانه حديث منكر اسنادا ومتنا قال ابن جرير وقال آخرون كان أول من أسلم زيد ابن حارثة ثم روى من طريق الواقدي عن ابن أبي ذئب سألت الزهري من أول من اسلم من النساء قال خديجة قلت فمن الرجال قال زيد بن حارثة وكذا قال عروة وسليمان بن يسار وغير
واحد أول من أسلم من الرجال زيد بن حارثة وقد أجاب أبو حنيفة رضي الله عنه بالجمع بين هذه الاقوال بان أول من أسلم من الرجال الاحرار أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
قال محمد بن اسحاق فلما أسلم أبو بكر وأظهر اسلامه دعا إلى الله عز وجل وكان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محبا سهلا وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر وكان رجلا تاجرا ذا خلق معروف وكان رجال قومه يأتونه ويالفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس اليه فاسلم على يديه فيما بلغني الزبير بن العوام وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الاسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الاسلام فآمنوا وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الاسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله وقال محمد بن عمر الواقدي حدثني الضحاك ابن عثمان عن مخرمة بن سليمان الوالبي عن ابراهيم بن محمد بن أبي طلحة قال قال طلحة بن عبيد الله حضرت سوق بصرى فاذا راهب في صومعته يقول سلوا أهل الموسم أفيهم رجل من أهل الحرم قال طلحة قلت نعم أنا فقال هل ظهر أحمد بعد قلت ومن أحمد قال ابن عبد الله بن عبد المطلب هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجرا إلى نخل وحرة وسباخ فإياك أن تسبق إليه قال طلحة فوقع في قلبي ما قال فخرجت سريعا حتى قدمت مكة فقلت هل كان من حديث قالوا نعم محمد بن عبد الله الأمين قد تنبأ وقد اتبعه أبو بكر بن أبي قحافة قال فخرجت حتى قدمت على أبي بكر فقلت اتبعت هذا الرجل قال نعم فانطلق اليه فادخل عليه فاتبعه فانه يدعو إلى الحق فأخبره طلحة بما قال الراهب فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم طلحة وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب فسر بذلك فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية وكان يدعى أسد قريش فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين وقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اكفنا شر ابن العدوية رواه البيهقي وقال الحافظ أبو الحسن خيثمة بن سليمان الاطرابلسي حدثنا عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري قاضي المصيصة حدثنا أبو بكر عبد الله بن عبيد الله بن اسحاق بن محمد بن عمران بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عبيد الله حدثني عبد الله بن محمد بن عمران ابن ابراهيم بن محمد بن طلحة قال حدثني أبي محمد بن عمران عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج أبو بكر يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له صديقا في الجاهلية فلقيه فقال
يا أبا القاسم فقدت من مجالس قومك واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني رسول الله أدعوك إلى الله فلما فرغ كلامه اسلم ابو بكر فانطلق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بين الاخشبين أحد أكثر سرورا منه باسلام أبي بكر ومضى أبو بكر فراح لعثمان بن عفان وطلحة ابن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص فاسلموا ثم جاء الغد بعثمان بن مظعون وأبي عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف وأبي سلمة بن عبد الاسد والأرقم بن ابي الأرقم فاسلموا رضي الله عنهم قال عبد الله بن محمد فحدثني أبي محمد بن عمران عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال يا ابا بكر إنا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين فضربوا في نواحي المسجد ضربا شديدا ووطئ أبو بكر وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويحرفهما لوجهه ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه وجاء بنو تيم يتعادون فاجلت المشركين عن أبي بكر وحملت بنو تيم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله ولا يشكون في موته ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب فتكلم آخر النهار فقال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسوا منه بالسنتهم وعذلوه ثم قاموا وقالوا لامه أم الخير أنظري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه فلما خلت به الحت عليه وجعل يقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله مالي علم بصاحبك فقال اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت ما أعرف ابا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك قالت نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا دنفا فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح وقالت والله إن قوما نالوا هذا منك لاهل فسق وكفر وإني لأرجو أن ينتقم الله لك منهم قال فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت هذه أمك تسمع قال فلا شيء عليك منها قالت سالم صالح قال أين هو قالت في دار ابن الأرقم قال فان لله علي أن لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فامهلتا حتى إذا هدأت الرجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله وأكب عليه المسلمون ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر بأبي وأمي يا رسول الله ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي وهذه أمي برة بوالدها وأنت مبارك
فادعها إلى الله وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار قال فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فاسلمت واقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون رجلا وقد كان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب أو لأبي جهل بن هشام فاصبح عمر وكانت الدعوة يوم الاربعاء فاسلم عمر يوم الخميس فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلا مكة وخرج أبو الأرقم وهو أعمى كافر وهو يقول اللهم اغفر لبني عبيد الارقم فانه كفر فقام عمر فقال يا رسول الله على ما نخفي ديننا ونحن على الحق ويظهر دينهم وهم على الباطل قال يا عمر إنا قليل قد رأيت ما لقينا فقال عمر فوالذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الايمان ثم خرج فطاف بالبيت ثم مر بقريش وهي تنتظره فقال أبو جهل بن هشام يزعم فلان أنك صبوت فقال عمر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله فوثب المشركون إليه ووثب على عتبة فبرك عليه وجعل يضربه وأدخل اصبعه في عينيه فجعل عتبة يصيح فتنحى الناس فقام عمر فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ بشريف ممن دنا منه حتى أعجز الناس واتبع المجالس التي كان يجالس فيها فيظهر الايمان ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم قال ما عليك بابي وأمي والله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الايمان غير هائب ولا خائف فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج عمر أمامه وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت وصلى الظهر مؤمنا ثم انصرف إلى دار الأرقم ومعه عمر ثم انصرف عمر وحده ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أن عمر إنما أسلم بعد خروج المهاجرين إلى أرض الحبشة وذلك في السنة السادسة من البعثة كما سيأتي في موضعه إن شاء الله وقد استقصينا كيفية اسلام أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في كتاب سيرتهما على انفرادها وبسطنا القول هنالك ولله الحمد وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي أمامة عن عمرو ابن عبسة السلمي رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة وهو حينئذ مستخفي فقلت ما أنت قال أنا نبي فقلت وما النبي قال رسول الله قلت الله أرسلك قال نعم قلت بما أرسلك قال بأن تعبد الله وحده لا شريك له وتكسر الاصنام وتوصل الارحام قال قلت نعم ما أرسلك به فمن تبعك على هذا قال حر وعبد يعني أبا بكر وبلالا قال فكان عمرو يقول لقد رأيتني وانا ربع الاسلام قال فاسلمت قلت فاتبعك يا رسول الله قال لا ولكن الحق بقومك فاذا أخبرت أني قد خرجت فاتبعني ويقال إن معنى قوله عليه السلام حر وعبد اسم جنس وتفسير ذلك بابي بكر وبلال فقط فيه نظر فانه قد كان جماعة قد أسلموا قبل عمرو بن عبسة وقد كان زيد بن حارثة أسلم قبل بلال أيضا فلعله أخبر أنه ربع الاسلام بحسب علمه فان
المؤمنين كانوا إذ ذاك يستسرون باسلامهم لا يطلع على أمرهم كثير أحد من قراباتهم دع الاجانب دع أهل البادية من الاعراب والله أعلم وفي صحيح البخاري من طريق أبي أسامة عن هاشم بن هاشم عن سعيد بن المسيب قال سمعت سعد بن أبي وقاص يقول ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الاسلام أما قوله ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه فسهل ويروى إلا في اليوم الذي أسلمت فيه وهو مشكل إذ يقتضي أنه لم يسبقه أحد بالاسلام وقد علم أن الصديق وعليا وخديجة وزيد بن حارثة أسلموا قبله كما قد حكى الاجماع على تقدم اسلام هؤلاء غير واحد منهم ابن الاثير ونص أبو حنيفة رضي الله عنه على أن كلا من هؤلاء أسلم قبل ابناء جنسه والله أعلم وأما قوله ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الاسلام فمشكل وما أدري على ماذا يوضع عليه إلا أن يكون أخبر بحسب ما علمه والله أعلم وقال ابو داود الطيالسي حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله وهو ابن مسعود قال كنت غلاما يافعا ارعى غنما لعقبة بن أبي معيط بمكة فاتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقال أو فقالا عندك يا غلام لبن تسقينا قلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقال هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد قلت نعم فاتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع ودعا فحفل الضرع وأتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر ثم سقياني ثم قال للضرع اقلص فقلص فلما كان بعد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت علمني من هذا القول الطيب يعني القرآن فقال إنك غلام معلم فاخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد وهكذا رواه الامام أحمد عن عفان عن حماد بن سلمة به ورواه الحسن بن عرفة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود به وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله بن بطة الاصبهاني حدثنا الحسن بن الجهم حدثنا الحسين بن الفرج حدثنا محمد بن عمر حدثني جعفر ابن محمد بن خالد بن الزبير عن أبيه أو عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال كان اسلام خالد بن سعيد بن العاص قديما وكان أول اخوته اسلم وكان بدء اسلامه أنه رأى في المنام أنه وقف به على شفير النار فذكر من سعتها ما الله أعلم به ويرى في النوم كأن آت أتاه يدفعه فيها ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بحقويه لا يقع ففزع من نومه فقال احلف بالله أن هذه لرؤيا حق فلقي ابا بكر بن أبي قحافة فذكر ذلك له فقال أريد بك خير هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه فانك ستتبعه وتدخل معه في الاسلام والاسلام يحجزك ان تدخل فيها وابوك واقع فيها فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو باجياد فقال يا رسول الله يا محمد إلى ما تدعو قال أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يضر ولا يبصر ولا ينفع ولا
يدري من عبده ممن لا يعبده قال خالد فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامه وتغيب خالد وعلم أبوه باسلامه فارسل في طلبه فأتي به فأنبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه وقال والله لأمنعنك القوت فقال خالد وإن منعتني فان الله يرزقني ما أعيش به وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكرمه ويكون معه