باب - هجرة أصحاب رسول الله من مكة إلى أرض الحبشة تتمة
 
قال ابن اسحاق ولما قدم عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون وأسلم عمر بن الخطاب وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى غاظوا قريشا فكان عبد الله بن مسعود يقول ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما اسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه قلت وثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال ما زلنا أعزة منذ اسلم عمر بن الخطاب وقال زياد البكائي حدثني مسعر بن كدام عن سعد بن ابراهيم قال قال ابن مسعود إن اسلام عمر كان فتحا وإن هجرته كانت نصرا وإن إمارته كانت رحمة ولقد كنا وما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر فلما أسلم عمر قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه
قال ابن اسحاق وكان اسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة حدثني عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة عن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه أم عبد الله بنت أبي حثمة قالت والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر فوقف على وهو على شركه فقالت وكنا نلقى منه أذى لنا وشدة علينا قالت فقال إنه الانطلاق يا أم عبد الله قلت نعم والله لنخرجن في أرض من أرض الله إذ آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا مخرجا قالت فقال صحبكم الله ورأيت له رقة لم أكن أراها ثم انصرف وقد أحزنه فيما ارى خروجنا قالت فجاء عامر بحاجتنا تلك فقلت له يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا قال أطمعت في اسلامه قالت قلت نعم قال لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب قالت يأسا منه لما كان يرى من غلظته وقسوته على الاسلام
قلت هذا يرد قول من زعم أنه كان تمام الاربعين من المسلمين فان المهاجرين إلى الحبشة كانوا فوق الثمانين اللهم إلا أن يقال إنه كان تمام الاربعين بعد خروج المهاجرين ويؤيد هذا ما ذكره ابن اسحاق ههنا في قصة اسلام عمر وحده رضي الله عنه وسياقها فانه قال وكان اسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت قد اسلمت واسلم زوجها سعيد بن زيد وهم مستخفون باسلامهم من عمر وكان نعيم بن عبد الله النحام رجل من بني عدي قد أسلم أيضا مستخفيا باسلامه من قومه وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه
فذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا وهم قريب من أربعين من بين رجال ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة فلقيه نعيم بن عبد الله فقال أين تريد يا عمر قال أريد محمدا هذا الصابي الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فاقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم قال وأي أهل بيتي قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة فقد والله أسلما وتابعا محمدا صلى الله عليه وسلم على دينه فعليك بهما فرجع عمر عائدا إلى أخته فاطمة وعندها خباب بن الأرت معه صحيفة فيها طه يقريها إياها فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى الباب قراءة خباب عليها فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت قالا له ما سمعت شيئا قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك فلما رأى عمر ما باخته من الدم ندم على ما صنع وأرعوى وقال لاخته أعطيني هذه الصحيفة التي كنتم تقرؤن آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمدا وكان عمر كاتبا فلما قال ذلك قالت له اخته إنا نخشاك عليها قال لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها اليها فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت يا أخي إنك نجس على شركك وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة وفيها طه فقرأها فلما قرأ منها صدرا قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فلما سمع ذلك خباب بن الأرت خرج إليه فقال له والله يا عمر إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فإني سمعته أمس وهو يقول اللهم أيد الاسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب فالله الله يا عمر فقال عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فاسلم فقال له خباب هو في بيت عند الصفا معه نفر من أصحابه فاخذ عمر سيفه فتوشحه ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فضرب عليهم الباب فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر من خلل الباب فاذا هو بعمر متوشح بالسيف فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا بالسيف فقال حمزة فاذن له فان كان جاء يريد خيرا بذلناه وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ايذن له فاذن له الرجل ونهض اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة فاخذ بحجزته أو بمجمع ردائه ثم جذبه جذبة شديدة
فقال ما جاء بك يا ابن الخطاب فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة فقال عمر يا رسول الله جئتك لأومن بالله ورسوله وبما جاء من عند الله قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فعرف أهل البيت أن عمر قد أسلم فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع اسلام حمزة وعلموا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتصفون بهما من عدوهم قال ابن اسحاق فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن اسلام عمر حين أسلم رضي الله عنه
قال ابن اسحاق وحدثني عبد الله بن أبي نجيح المكي عن أصحابه عطاء ومجاهد وعمن روى ذلك أن اسلام عمر فيما تحدثوا به عنه أنه كان يقول كنت للاسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك فلم أجد فيه منهم أحدا فقلت لو أني جئت فلانا الخمار لعلي أجد عنده خمرا فاشرب منها فخرجت فجئته فلم أجده قال فقلت لو اني جئت الكعبة فطفت سبعا أو سبعين قال فجئت المسجد فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي وكان إذا صلى استقبل الشام وجعل الكعبة بينه وبين الشام وكان مصلاه بين الركنين الاسود واليماني قال فقلت حين رأيته والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى اسمع ما يقول فقلت لئن دنوت منه لاستمع منه لاروعنه فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها فجعلت أمشي رويدا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن حتى قمت في قبلته مستقبله ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة قال فلما سمعت القرآن رق له قلبي وبكيت ودخلني الاسلام فلم أزل في مكاني قائما حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ثم انصرف وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين وكان مسكنه في الدار الرقطاء التي كانت بيد معاوية قال عمر فتبعته حتى اذا دخل بين دار عباس ودار ابن أزهر أدركته فلما سمع حسي عرفني فظن أني إنما اتبعته لاوذيه فنهمني ثم قال ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة قال قلت جئت لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله قال فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال قد هداك الله يا عمر ثم مسح صدري ودعا لي بالثبات ثم انصرفت ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته قال ابن اسحاق فالله أعلم أي ذلك كان
قلت وقد استقصيت كيفية اسلام عمر رضي الله عنه وما ورد في ذلك من الاحاديث والآثار مطولا في أول سيرته التي أفردتها على حدة ولله الحمد والمنة
قال ابن اسحاق وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال لما أسلم عمر قال أي قريش انقل للحديث فقيل له جميل بن معمر الجمحي فغدا عليه قال عبد الله وغدوت أتبع أثره وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كلما رأيت حتى جاءه فقال له اعلمت يا جميل اني أسلمت ودخلت في دين
محمد صلى الله عليه وسلم قال فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر واتبعته أنا حتى قام على باب المسجد صرخ باعلا صوته يا معشر قريش وهم في انديتهم حول الكعبة ألا إن ابن الخطاب قد صبا قال يقول عمر من خلفه كذب ولكني قد اسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وثاروا اليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤسهم قال وطلح فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول افعلوا ما بدا لكم فاحلف بالله ان لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا قال فبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى حتى وقف عليهم فقال ما شأنكم فقالوا صبأ عمر قال فمه رجل اختار لنفسه امرا فماذا تريدون أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا خلوا عن الرجل قال فوالله لكأنما كانوا ثوبا كشط عنه قال فقلت لأبي بعد أن هاجر الى المدينة يا ابة من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم اسلمت وهم يقاتلونك قال ذاك أي بني العاص بن وائل السهمي وهذا اسناد جيد قوي وهو يدل على تأخر اسلام عمر لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وكانت احد في سنة ثلاث من الهجرة وقد كان مميزا يوم أسلم أبوه فيكون اسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين والله أعلم
وقال البيهقي حدثنا الحاكم أخبرنا الأصم أخبرنا احمد بن عبد الجبار حدثنا يونس عن ابن اسحاق قال ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون رجلا وهو بمكة أو قريب من ذلك من النصارى حين ظهر خبره من أرض الحبشة فوجدوه في المجلس فكلموه وسألوه ورجال من قريش في انديتهم حول الكعبة فلما فرغوا من مساءلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع ثم استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره فلما قاموا من عنده اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقال خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم فتأتونهم بخبر الرجل فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال لكم ما نعلم ركبا أحمق منكم أو كما قال قالوا لهم لا نجاهلكم سلام عليكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نألون أنفسنا خيرا فيقال إن النفر من نصارى نجران والله أعلم أي ذلك كان ويقال والله أعلم أن فيهم نزلت هذه الآيات الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤن بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين