عزم الصديق على الهجرة الى الحبشة
 
قال ابن اسحاق وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه كما حدثني محمد بن مسلم الزهري عن
عروة عن عائشة حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الاذى ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فاذن له فخرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين لقيه ابن الدغنة أخو بني الحارث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد الاحابيش قال الواقدي اسمه الحارث بن يزيد أحد بني بكر من عبد مناة بن كنانة وقال السهيلي اسمه مالك فقال إلى أين يا أبا بكر قال أخرجني قومي وآذوني وضيقوا علي قال ولم فوالله إنك لتزين العشيرة وتعين على النوائب وتفعل المعروف وتكسب المعدوم أرجع فانك في جواري فرجع معه حتى إذا دخل مكة قام معه ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إني قد أجرت ابن أبي قحافة فلا يعرض له أحد الا بخير قال فكفوا عنه قالت وكان لابي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح فكان يصلي فيه وكان رجلا رقيقا إذا قرأ القرآن استبكى قالت فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء يعجبون لما يرون من هيئته قال فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة فقالوا يا ابن الدغنة إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق وكانت له هيئة ونحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفائنا أن يفتنهم فاته فمره بان يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء قالت فمشى ابن الدغنة اليه فقال يا أبا بكر إني لم أجرك لتؤذي قومك وقد كرهوا مكانك الذي أنت به وتأذوا بذلك منك فادخل بيتك فاصنع فيه ما أحببت قال أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله قال فأردد علي جواري قال قد رددته عليك قال فقام ابن الدغنة فقال يا معشر قريش إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم وقد روى الامام البخاري هذا الحديث متفردا به وفيه زيادة حسنة فقال حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل قال ابن هشام فاخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت لم أعقل ابواي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا نحو أرض الحبشة حتى اذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فاريد أن أسيح في الارض فاعبد ربي فقال ابن الدغنة فان مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلدك فرجع وارتحل معه ابن الدغنة وطاف ابن الدغنة عشية في اشراف قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فلم يكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ويصل فيها ويقرأ
ما شاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به فانا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا فقال ابن الدغنة ذلك لابي بكر فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره ثم بدا لابي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأن القرآن فكان نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون اليه وكان أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن فافزع ذلك اشراف قريش من المشركين فارسلوا الى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره فاعلن في الصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يفتتن أبناؤنا ونساؤنا فانهه فان أحب على أن يقتصر ان يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد عليك ذمتك فانا قد كرهنا نخفرك ولسنا مقرين لابي بكر الاستعلان قالت عائشة فاتى ابن الدغنة إلى أبي بكر فقال قد علمت الذي قد عاقدت عليه قريش فاما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلى ذمتي فاني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له فقال أبو بكر فإني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله عز وجل ثم ذكر تمام الحديث في هجرة أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي مبسوطا
قال ابن اسحاق وحدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال لقيه يعني أبا بكر الصديق حين خرج من جوار ابن الدغنة سفيه من سفهاء قريش وهو عامد إلى الكعبة فحثا على رأسه ترابا فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل فقال له أبو بكر رضي الله عنه ألا ترى ما يصنع هذا السفيه فقال أنت فعلت ذلك بنفسك وهو يقول أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك أي رب ما أحلمك