قصة أعشى بن قيس
 
قال ابن هشام حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل عن أهل العلم أن أعشى بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الاسلام فقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبت كما بات السليم مسهدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما * تناسيت قبل اليوم خلة مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن * اذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا
كهولا وشبانا فقدت وثروة * فلله هذا الدهر كي ترددا
وما زلت أبغي المال مذأنا يافع * وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
وأبتذل العيس المراقيل تعتلي * مسافة ما بين النجير فصرخدا
ألا أيهذا السائلي أين يممت * فإن لها في أهل يثرب موعدا
فإن تسألي عني فيا رب سائل * حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
أجدت برجليها النجاد وراجعت * يداها خناقا لينا غير أحردا
وفيها إذا ما هجرت عجرفية * إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا
وآليت لا آوي لها من كلالة * ولا من حفي حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم * تراحي وتلقي من فواضله ندى
نبي يرى مالا ترون وذكره * أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغب ونائل * فليس عطاء اليوم مانعه غدا
أجدك لم تسمع وصاة محمد * نبي الآله حيث أوصى وأشهدا
اذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للأمر الذي كان أرصدا
فإياك والميتات لا تقربنها * ولا تأخذن سهما حديدا لتقصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه * ولا تعبد الاوثان والله فاعبدا
ولا تقربن جارة كان سرها * عليك حراما فانكحن أو تأبدا
وذا الرحم القربى فلا تقطعنه * لعاقبة ولا الأسير المقيدا
وسبح على حين العشية والضحى * ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة * ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
قال ابن هشام فلما كان بمكة أو قريب منها اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فاخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم فقال له يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الاعشى والله إن ذلك لأمر مالي فيه من أرب فقال يا ابا بصير إنه يحرم الخمر فقال الاعشى أما هذه فوالله إن في نفسي منها العلالات ولكني منصرف فاتروى منها عامي هذا ثم آته فاسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أورد ابن هشام هذه القصة ههنا وهو كثير المؤاخذات لمحمد بن اسحاق رحمه الله وهذا مما يؤاخذ به ابن هشام رحمه الله فان الخمر
إنما حرمت بالمدينة بعد وقعة بني النضير كما سيأتي بيانه فالظاهر أن عزم الاعشى على القدوم للاسلام إنما كان بعد الهجرة وفي شعره ما يدل على ذلك وهو قوله
ألا أيها ذا السائلي أين يممت * فان لها في أهل يثرب موعدا
وكان الانسب والاليق بابن هشام أن يؤخر ذكر هذه القصة الى ما بعد الهجرة ولا يوردها هاهنا والله أعلم قال السهيلي وهذه غفلة من ابن هشام ومن تابعه فإن الناس مجمعون على أن الخمر لم ينزل تحريمها إلا في المدينة بعد أحد وقد قال وقيل إن القائل للاعشى هو أبو جهل بن هشام في دار عتبة بن ربيعة وذكر أبو عبيدة أن القائل له ذلك هو عامر بن الطفيل في بلاد قيس وهو مقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقوله ثم آته فأسلم لا يخرجه عن كفره بلا خلاف والله أعلم
ثم ذكر ابن اسحاق هاهنا قصة الاراشي وكيف استعدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي جهل في ثمن الجمل الذي ابتاعه منه وكيف أذل الله أبا جهل وأرغم أنفه حتى أعطاه ثمنه في الساعة الراهنة وقد قدمنا ذلك في ابتداء الوحي وما كان من أذية المشركين عند ذلك