فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة تتمة
 
وقال البيهقي هذه القصة شبيهة بقصة أم معبد والظاهر أنها هي والله أعلم وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر احمد بن الحسن القاضي قالا ثنا أبو العباس الاصم ثنا الحسن بن مكرم حدثني أبو احمد بشر بن محمد السكري ثنا عبد الملك بن وهب المذحجي ثنا أبجر بن الصباح عن أبي معبد الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة هاجر من مكة الى المدينة هو وأبو بكر وعامر ابن فهيرة مولى أبي بكر ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي فمروا بخيمتي أم معبد الخزاعية وكانت أم معبد امرأة برزة جلدة تحتبي وتجلس بفناء الخيمة فتطعم وتسقي فسألوها هل عندها لحم أو لبن يشترونه منها فلم يجدوا عندها شيء من ذلك وقالت لو كان عندنا شيء ما أعوذكم القرى وإذا القوم مرملون مسنتون فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا شاة في كسر خيمتها فقال ما هذه الشاة يا أم معبد فقالت شاة خلفها الجهد عن الغنم قال فهل بها من لبن قالت هي أجهد من ذلك قال تأذنين لي أن أحلبها قالت إن كان بها حلب فاحلبها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسحها وذكر اسم الله ومسح ضرعها وذكر اسم الله ودعا بإناء لها يربض الرهط فتفاجت واجترت فحلب فيها تجا حتى ملأه وأرسله اليها فسقاها وسقى أصحابه فشربوا عللا بعد نهل حتى إذا رووا شرب آخرهم وقال ساقي القوم آخرهم ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا قال فقلما لبث أن جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلى لا نقي بهن مخهن قليل فلما رأى اللبن عجب وقال من اين هذا اللبن يا أم معبد ولا حلوبة في البيت والشاة عازب فقالت لا والله إنه مر بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت فقال صفيه لي فوالله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلب فقالت رأيت رجلا ظاهر الوضاءة حسن الخلق مليح الوجه لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة قسيم وسيم في عينيه دعج وفي اشفاره وطف وفي صوته صحل أحول أكحل أزج أقرن في عنقه سطع وفي لحيته كثاثة اذا صمت فعليه الوقار واذا تكلم سما وعلاه البهاء حلو المنطق فصل لا نزر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن أبهى الناس وأجمله من بعيد وأحسنه من قريب ربعة لا تنساه عين من طول ولا تقتحمه عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدا له رفقاء يحفون به إن قال استمعوا لقوله وإن أمر تبادروا
لأمره محفود محشود لا عابس ولا معتد فقال يعني بعلها هذا والله صاحب قريش الذي تطلب ولو صادفته لالتمست أن أصحبه ولاجهدن إن وجدت إلى ذلك سبيلا قال وأصبح صوت بمكة عال بين السماء والارض يسمعونه ولا يرون من يقول وهو يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به * فافلح من أمسى رفيق محمد
فيال قصي ما روى الله عنكم * به من فعال لا تجارى وسؤدد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها * فانكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت * له بصريح ضرة الشاة مزبد
فغادره رهنا لديها لحالب * يدر لها في مصدر ثم مورد
قال وأصبح الناس يعني بمكة وقد فقدوا نبيهم فاخذوا على خيمتي أم معبد حتى لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأجابه حسان بن ثابت
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم * وقد سر من يسري اليهم ويغتدي
ترحل عن قوم فزالت عقولهم * وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم * وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا * عمي وهداة يهتدون بمهتد
نبي يرى مالا يرى الناس حوله * ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب * فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده * بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني كعب مكان فتاتهم * ومقعدها للمسلمين بمرصد
قال يعني عبد الملك بن وهب فبلغني أن أبا معبد أسلم وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا
روى الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الملك بن وهب المذحجي فذكر مثله سواء وزاد في آخره قال عبد الملك بلغني أن أم معبد هاجرت وأسلمت ولحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رواه أبو نعيم من طرق عن بكر بن محرز الكلبي الخزاعي عن أبيه محرز بن مهدي عن حرام بن هشام بن حبيش بن خالد عن أبيه عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخرج من مكة منها مهاجرا هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله بن أريقط الليثي فمروا بخيمة أم معبد وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء القبة وذكر مثل ما تقدم سواء قال وحدثناه فيما أظن محمد بن أحمد بن علي بن مخلد ثنا محمد بن يونس بن موسى يعني الكديمي ثنا عبد العزيز ابن يحيى بن عبد العزيز مولى العباس بن عبد المطلب ثنا محمد بن سليمان بن سليط الانصاري حدثني أبي عن أبيه سليط البدري قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة وابن أريقط يدلهم على الطريق مر بأم معبد الخزاعية وهي لا تعرفه فقال لها يا أم معبد هل عندك من لبن قالت لا والله إن الغنم لعازبة قال فما هذه الشاة قالت خلفها الجهد عن الغنم ثم ذكر تمام الحديث كنحو ما تقدم
ثم قال البيهقي يحتمل أن هذه القصص كلها واحدة ثم ذكر قصة شبيهة بقصة شاة أم معبد الخزاعية فقال حدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء حدثنا أبو بكر احمد بن اسحاق بن أيوب أخبرنا محمد بن غالب ثنا أبو الوليد ثنا عبد الله بن إياد بن لقيط ثنا إياد بن لقيط عن قيس بن النعمان قال لما انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر مستخفين مروا بعبد يرعى غنما فاستسقياه اللبن فقال ما عندي شاة تحلب غير أن ههنا عناقا حملت أول الشتاء وقد أخدجت وما بقي لها من لبن فقال ادع بها فدعا بها فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم ومسح ضرعها ودعا حتى أنزلت وجاء أبو بكر بمجن فحلب فسقى أبا بكر ثم حلب فسقى الراعي ثم حلب فشرب فقال الراعي بالله من أنت فوالله ما رأيت مثلك قط قال أوتراك تكتم علي حتى أخبرك قال نعم قال فإني محمد رسول الله فقال أنت الذي تزعم قريش أنه صابئ قال إنهم ليقولون ذلك قال فإني أشهد أنك نبي واشهد أن ما جئت به حق وأنه لا يفعل ما فعلت إلا نبي وأنا متبعك قال إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا فإذا بلغك أني قد ظهرت فأتنا ورواه أبو يعلى الموصلي عن جعفر بن حميد الكوفي عن عبد الله بن إياد بن لقيط به وقد ذكر أبو نعيم ههنا قصة عبد الله بن مسعود فقال حدثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال
كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعتبة بن أبي معيط بمكة فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين فقال يا غلام عندك لبن تسقينا فقلت إني مؤتمن ولست بساقيكما فقالا هل عندك من جذعة لم ينز عليها الفحل بعد قلت نعم فأتيتهما بها فاعتقلها أبو بكر وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الضرع فدعا فحفل الضرع وجاء أبو بكر بصخرة متقعرة فحلب فيها ثم شرب هو وأبو بكر وسقياني ثم قال للضرع اقلص فقلص فلما كان بعد أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت علمني من هذا القول الطيب يعني القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك غلام معلم فأخذت من فيه سبعين سورة ما ينازعني فيها أحد فقوله في هذا السياق وقد فرا من المشركين ليس المراد منه وقت الهجرة إنما ذلك في بعض الاحوال قبل الهجرة فإن ابن مسعود ممن أسلم قديما وهاجر إلى الحبشة ورجع إلى مكة كما تقدم وقصته هذه صحيحة ثابتة في الصحاح وغيرها والله أعلم
وقال الامام أحمد حدثنا عبد الله بن مصعب بن عبد الله هو الزبيري حدثني أبي عن فائد مولى عبادل قال خرجت مع ابراهيم بن عبد الرحمن بن سعد حتى إذا كنا بالعرج أتى ابن سعد وسعد هو الذي دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق ركوبة فقال ابراهيم أخبرني ما حدثك أبوك قال ابن سعد حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم ومعه أبو بكر وكانت لابي بكر عندنا بنت مسترضعة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الاختصار في الطريق إلى المدينة فقال له سعد هذا الغامر من ركوبة وبه لصان من اسلم يقال لهما المهانان فان شئت أخذنا عليهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذ بنا عليهما قال سعد فخرجنا حتى إذا أشرفنا إذا أحدهما يقول لصاحبه هذا اليماني فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الاسلام فأسلما ثم سألهما عن أسمائهما فقالا نحن المهانان فقال بل أنتما المكرمان وأمرهما أن يقدما عليه المدينة فخرجنا حتى إذا أتينا ظاهر قباء فتلقاه بنو عمرو بن عوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اين أبو امامة أسعد بن زرارة فقال سعد ابن خيثمة إنه أصاب قبلي يا رسول الله أفلا أخبره ذلك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا طلع على النخل فاذا الشرب مملوء فالتفت رسول الله إلى أبي بكر فقال يا أبا بكر هذا المنزل رأيتني أنزل إلى حياض كحياض بني مدلج انفرد به احمد