فصل في دخوله عليه السلام المدينة واين استقر منزله
 
قد تقدم فيما رواه البخاري عن الزهري عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المدينة عند الظهيرة قلت ولعل ذلك كان بعد الزوال لما ثبت في الصحيحين من حديث اسرائيل عن أبي إسحاق البراء بن عازب عن أبي بكر في حديث الهجرة قال فقدمنا ليلا فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل على بني النجار أخوال عبد المطلب أكرمهم بذلك وهذا والله أعلم إما أن يكون يوم قدومه إلى قباء فيكون حال وصوله إلى قرب المدينة كان في حر الظهيرة وأقام تحت تلك النخلة ثم سار بالمسلمين فنزل قباء وذلك ليلا وأنه أطلق على ما بعد الزوال ليلا فان العشى من الزوال وإما أن يكون المراد بذلك لما رحل من قباء كما سيأتي فسار فما انتهى إلى بني النجار الاعشاء كما سيأتي بيانه والله أعلم
وذكر البخاري عن الزهري عن عروة أنه نزل في بني عمرو بن عوف بقباء وأقام فيهم بضع عشرة ليلة وأسس مسجد قباء في تلك الايام ثم ركب ومعه الناس حتى بركت به راحلته في مكان مسجده وكان مربدا لغلامين يتيمين وهما سهل وسهيل فابتاعه منهما واتخذه مسجدا وذلك في دار بني النجار رضي الله عنهم
وقال محمد بن اسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن ابن عويم بن ساعدة قال حدثني رجال من قومي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لما بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وتوكفنا قدومه كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فوالله ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال فإذا لم نجد ظلا دخلنا وذلك في أيام حارة حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله جلسنا كما كنا نجلس حتى إذ لم يبق ظل دخلنا بيوتنا وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت فكان أول من رآه رجل من اليهود فصرخ بأعلا صوته يا بني قيلة هذا جدكم قد جاء فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل نخلة ومعه أبو بكر في مثل سنه وأكثرنا لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وركبه الناس وما يعرفونه من أبي بكر حتى زال الظل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فأظله بردائه فعرفناه عند ذلك وقد تقدم مثل ذلك في سياق البخاري وكذا ذكر موسى بن عقبة في مغازيه وقال الامام احمد حدثنا هاشم ثنا سليمان عن
ثابت عن أنس بن مالك قال إني لاسعى في الغلمان يقولون جاء محمد فاسعى ولا أرى شيئا ثم يقولون جاء محمد فاسعى ولا أرى شيئا قال حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر فكمنا في بعض خراب المدينة ثم بعثا رجلا من أهل البادية يؤذن بهما الانصار فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الانصار حتى انتهوا اليهما فقالت الانصار انطلقنا آمنين مطاعين فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم فخرج اهل المدينة حتى أن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن أيهم هو أيهم هو فما رأينا منظرا شبيها به قال أنس فلقد رأيته يوم دخل علينا ويوم قبض فلم أر يومين شبيها بهما ورواه البيهقي عن الحاكم عن الاصم عن محمد بن اسحاق الصنعاني عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بنحوه أو مثله وفي الصحيحين من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء عن أبي بكر في حديث الهجرة قال وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون الله أكبر جاء رسول الله الله أكبر جاء محمد الله أكبر جاء محمد الله أكبر جاء رسول الله فلما أصبح انطلق وذهب حيث أمر وقال البيهقي أخبرنا أبو عمرو والاديب أخبرنا الاسماعيلي سمعت أبا خليفة يقول سمعت ابن عائشة يقول لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان يقلن
طلع البدر علينا * من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا * ما دعا لله داع
قال محمد بن اسحاق فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون يعني حين نزل بقباء على كلثوم ابن الهدم أخي بني عمرو بن عوف ثم أحد بني عبيد ويقال بل نزل على سعد بن خيثمة ويقول من يذكر أنه نزل على كلثوم بن الهدم إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن الهدم جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة وذلك أنه كان عزبا لا أهل له وكان يقال لبيته بيت العزاب والله أعلم ونزل أبو بكر رضي الله عنه على خبيب بن إساف أحد بني الحارث بن الخزرج بالسنح وقيل على خارجة بن زيد بن ابي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج
قال ابن اسحاق وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل معه على كلثوم بن الهدم فكان علي بن ابي طالب إنما كانت اقامته بقباء ليلة أو ليلتين يقول كانت بقباء امرأة لا زوج لها مسلمة فرأيت انسانا يأتيها من جوف الليل فيضرب عليها بابها فتخرج اليه فيعطيها شيئا معه فتأخذه فاستربت بشأنه فقلت لها يا أمة الله من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين اليه فيعطيك شيئا لا أدري ما هو وأنت امرأة مسلمة لا زوج لك قالت هذا سهل بن حنيف
وقد عرف أني امرأة لا أحد لي فاذا امسى عدا على أوثان قومه فكسرها ثم جاءني بها فقال احتطبي بهذا فكان علي رضي الله عنه يأثر ذلك من شأن سهل بن حنيف حين هلك عنده بالعراق
قال ابن اسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء في بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء ويوم الخميس وأسس مسجده ثم أخرجه الله من بين أظهرهم يوم الجمعة وبنو عمرو ابن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك وقال عبد الله بن إدريس عن محمد بن اسحاق قال وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه عليه السلام أقام فيهم ثماني عشر ليلة
قلت وقد تقدم فيما رواه البخاري من طريق الزهري عن عروة أنه عليه السلام أقام فيهم بضع عشرة ليلة وحكى موسى بن عقبة عن مجمع بن يزيد بن حارثة أنه قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يعني في بني عمرو بن عوف بقباء اثنتين وعشرين ليلة وقال الواقدي ويقال اقام فيهم أربع عشرة ليلة
قال ابن اسحاق فادركت رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وادي رانوناء فكان أول جمعة صلاها بالمدينة فأتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم فقالوا يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة لناقته فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا يا رسول الله هلم الينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فانها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة فقالوا يا رسول الله هلم الينا في العدد والمنعة قال خلوا سبيلها فانها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازت دار بني الحارث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا يا رسول الله هلم الينا إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فانها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى اذا مرت بدار عدي بن النجار وهم أخواله دنيا أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم اعترضه سليط بن قيس وأبو سليط اسيرة بن خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا يا رسول الله هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة قال خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن
النجار بركت على باب مسجده عليه السلام اليوم وكان يومئذ مربدا لغلامين يتيمين من بني مالك ابن النجار وهما سهل وسهيل ابنا عمرو وكانا في حجر معاذ بن عفراء
قلت وقد تقدم في رواية البخاري من طريق الزهري عن عروة أنهما كانا في حجر أسعد بن زرارة والله أعلم
وذكر موسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في طريقه بعبد الله بن ابي سلول وهو في بيت فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أن يدعوه إلى المنزل وهو يومئذ سيد الخزرج في أنفسهم فقال عبد الله أنظرالذين دعوك فانزل عليهم فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر من الانصار فقال سعد بن عبادة يعتذر عنه لقد من الله علينا بك يا رسول الله وإنا نريد أن نعقد على رأسه التاج ونملكه علينا
قال موسى بن عقبة وكانت الانصار قد اجتمعوا قبل أن يركب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني عمرو بن عوف فمشوا حول ناقته لا يزال أحدهم ينازع صاحبه زمام الناقة شحا على كرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيما له وكلما مر بدار من دور الانصار دعوه إلى المنزل فيقول صلى الله عليه وسلم دعوها فانها مأمورة فإنما أنزل حيث أنزلني الله فلما انتهت إلى دار أبي أيوب بركت به على الباب فنزل فدخل بيت أبي أيوب حتى ابتنى مسجده ومساكنه
قال ابن اسحاق لما بركت الناقة برسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينزل عنها حتى وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت خلفها فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ثم تحلحلت ورزمت ووضعت جرانها فنزل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحتمل أبو ايوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن المربد لمن هو فقال له معاذ بن عفراء هو يا رسول الله لسهل وسهيل ابني عمرو وهما يتيمان لي وسأرضيهما منه فاتخذه مسجدا فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من المهاجرين والانصار
وستأتي قصة بناء المسجد قريبا إن شاء الله وقال البيهقي في الدلائل وقال أبو عبد الله أخبرنا أبو الحسن علي بن عمرو الحافظ ثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد الدوري ثنا محمد بن سليمان بن اسماعيل ابن أبي الورد ثنا ابراهيم بن صرمة ثنا يحيى بن سعيد عن اسحاق بن عبد الله بن ابي طلحة عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فلما دخلنا جاء الانصار برجالها ونسائها فقالوا الينا يا رسول الله فقال دعوا الناقة فإنها مأمورة فبركت على باب أبي أيوب فخرجت جوار من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
فخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتحبونني فقالوا أي والله يا رسول الله فقال وإنا والله أحبكم وانا والله أحبكم وأنا والله أحبكم هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يروه أحد من أصحاب السنن وقد خرجه الحاكم في مستدركه كما يروى ثم قال البيهقي أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن سليمان النحاس المقرئ ببغداد ثنا عمر بن الحسن الحلبي حدثنا أبو خيثمة المصيصي ثنا عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن ثمامة عن أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بحي من بني النجار وإذا جوار يضربن بالدفوف يقلن
نحن جوار من بني النجار * يا حبذا محمد من جار
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الله أن قلبي يحبكم ورواه ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عيسى بن يونس به وفي صحيح البخاري عن معمر عن عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم النساء والصبيان مقبلين حسبت أنه قال من عرس فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا فقال اللهم أنتم من أحب الناس إلي قالها ثلاث مرات وقال الامام احمد حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثني أبي حدثني عبد العزيز بن صهيب ثنا أنس بن مالك قال اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وهو مردف ابا بكر وأبو بكر شيخ يعرف ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاب لا يعرف قال فيلقى الرجل أبا بكر فيقول يا أبا بكر من هذا الرجل الذي بين يديك فيقول هذا الرجل يهديني السبيل فيحسب الحاسب إنما يهديه الطريق وإنما يعني سبيل الخير فالتفت أبو بكر فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال يا نبي الله هذا فارس قد لحق بنا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم اصرعه فصرعته فرسه ثم قامت تحمحم ثم قال مرني يا نبي الله بما شئت فقال قف مكانك ولا تتركن أحدا يلحق بنا قال فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان آخر النهار مسلحة له قال فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم جانب الحرة ثم بعث الى الانصار فجاؤا فسلموا عليهما وقالوا اركبا آمنين مطاعين فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وحفوا حولهما بالسلاح وقيل في المدينة جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فاستشرفوا نبي الله ينظرون اليه ويقولون جاء نبي الله قال فاقبل يسير حتى نزل إلى جانب دار أبي أيوب قال فانه ليحدث أهله اذ سمع به عبد الله بن سلام وهو في نخل لاهله يحترف لهم فعجل أن يضع الذي يحترف فيها فجاء وهي معه وسمع من نبي الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى أهله وقال نبي الله أي بيوت أهلنا أقرب فقال أبو ايوب أنا يا نبي الله هذه داري وهذا بابي قال فانطلق فهيء لنا مقيلا فذهب فهيأ ثم جاء فقال يا رسول الله قد هيأت مقيلا قوما على بركة الله فقيلا فلما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام فقال اشهد انك نبي الله حقا وإنك جئت
بحق ولقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فسلهم فدخلوا عليه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئت بحق أسلموا فقالوا ما نعلمه ثلاثا وكذا رواه البخاري منفردا به عن محمد غير منسوب عن عبد الصمد به
قال ابن اسحاق وحدثني يزيد بن ابي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي رهم السماعي حدثني أبو أيوب قال لما نزل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي نزل في السفل وأنا وأم أيوب في العلو فقلت له بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني أكره وأعظم أن أكون فوقك وتكون تحتي فاظهر انت فكن في العلو وننزل نحن فنكون في السفل فقال يا ابا أيوب أن ارفق بنا وبمن يغشانا أن أكون في سفل البيت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفله وكنا فوقه في المسكن فلقد انكسر حب لنا فيه ماء فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا مالنا لحاف غيرها ننشف بها الماء تخوفا أن يقطر على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء فيؤذيه قال وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث اليه فإذا رد علينا فضلة تيممت أنا وأم أيوب موضع يده فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة حتى بعثنا اليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلا أو ثوما فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر ليده فيه أثرا قال فجئته فزعا فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك فقال إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة وأنا رجل أناجي فاما أنتم فكلوه قال فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة بعد وكذلك رواه البيهقي من طريق الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الحسن أو أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي رهم عن أبي أيوب فذكره ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد المؤدب عن الليث وقال البيهقي أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عمرو الحيري ثنا عبد الله بن محمد ثنا احمد بن سعيد الدارمي ثنا أبو النعمان ثنا ثابت بن يزيد ثنا عاصم الاحول عن عبد الله بن الحارث عن افلح مولى أبي أيوب عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه فنزل في السفل وأبو أيوب في العلو فانتبه أبو أيوب فقال نمشي فوق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحوا فباتوا في جانب ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم يعني في ذلك فقال السفل أرفق بنا فقال لا أعلو سقيفة أنت تحتها فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلو وأبو أيوب في السفل فكان يصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فإذا جيء به سأل عن موضع أصابعه فيتتبع موضع أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصنع له طعاما فيه ثوم فلما رد اليه سأل عن موضع اصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له لم يأكل ففزع وصعد اليه فقال أحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا ولكني أكرهه قال فاني اكره ما تكره أو ما كرهت قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه الملك رواه مسلم عن احمد بن سعيد به وثبت في
الصحيحين عن أنس بن مالك قال جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر وفي رواية بقدر فيه خضروات من بقول قال فسأل فأخبر بما فيها فلما رآها كره أكلها قال كل فإني أناجي من لا تناجي وقد روى الواقدي أن أسعد بن زرارة لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب اخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عنده وروى عن زيد بن ثابت أنه قال أول هدية أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل دار أبي أيوب أنا جئت بها قصعة فيها خبز مثرود بلبن وسمن فقلت ارسلت بهذه القصعة أمي فقال بارك الله فيك ودعا أصحابه فأكلوا ثم جاءت قصعة سعد بن عبادة ثريد وعراق لحم وما كانت من ليلة إلا وعلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاث والاربعة يحملون الطعام يتناوبون وكان مقامه في دار أبي أيوب سبعة أشهر قال وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل في دار أبي أيوب مولاه زيد بن حارثة وأبا رافع ومعهما بعيران وخمسمائة درهم ليجئا بفاطمة وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسودة بنت زمعة زوجته وأسامة بن زيد وكانت رقية قد هاجرت مع زوجها عثمان وزينب عند زوجها بمكة أبي العاص بن الربيع وجاءت معهم أم أيمن امرأة زيد بن حارثة وخرج معهم عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر وفيهم عائشة أم المؤمنين ولم يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال البيهقي أخبرنا علي بن احمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا خلف بن عمرو العكبري ثنا سعيد بن منصور ثنا عطاف بن خالد ثنا صديق بن موسى عن عبد الله بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فاستناخت به راحلته بين دار جعفر بن محمد بن علي وبين دار الحسن بن زيد فأتاه الناس فقالوا يا رسول الله المنزل فانبعثت به راحلته فقال دعوها فانها مأمورة ثم خرجت به حتى جاءت موضع المنبر فاستناخت ثم تحللت وثم عريش كانوا يعرشونه ويعمرونه ويتبردون فيه فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فيه فآوى إلى الظل فأتاه أبو أيوب فقال يا رسول الله إن منزلي أقرب المنازل اليك فأنقل رحلك إلي قال نعم فذهب برحله إلى المنزل ثم أتاه رجل فقال يا رسول الله أين تحل قال إن الرجل مع رحله حيث كان وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش اثنتي عشرة ليلة حتى بنى المسجد وهذه منقبة عظيمة لابي أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه حيث نزل في داره رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روينا من طريق يزيد بن أبي حبيب عن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه لما قدم أبو أيوب البصرة وكان ابن عباس نائبا عليها من جهة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فخرج له ابن عباس عن داره حتى أنزله فيها كما أنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره وملكه كل ما أغلق عليها بابها ولما أراد الإنصراف أعطاه ابن
عباس عشرين ألفا وأربعين عبدا وقد صارت دار أبي أيوب بعده إلى مولاه أفلح فاشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار وصلح ما وهى من بنيانها ووهبها لاهل بيت فقراء من أهل المدينة وكذلك نزوله عليه السلام في دار بني النجار واختيار الله له ذلك منقبة عظيمة وقد كان في المدينة دور كثيرة تبلغ تسعا كل دار محلة مستقلة بمساكنها ونخيلها وزروعها وأهلها كل قبيلة من قبائلهم قد اجتمعوا في محلتهم وهي كالقرى المتلاصقة فاختار الله لرسول الله دار بني مالك بن النجار
وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة سمعت قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير دور الانصار بنو النجار ثم بنو عبد الاشهل ثم بنو الحارث بن الخزرج ثم بنو ساعدة وفي كل دور الأنصار خير فقال سعد بن عبادة ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد فضل علينا فقيل قد فضلكم على كثير هذا لفظ البخاري وكذلك رواه البخاري ومسلم من حديث أنس وأبي سلمة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة ومن حديث عبادة بن سهل عن أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله سواء زاد في حديث أبي حميد فقال أبو اسيد لسعد بن عبادة ألم تر أن النبي صلى الله عليه وسلم خير الأنصار فجعلنا آخرا فأدرك سعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله خيرت دور الأنصار فجعلتنا آخرا قال أو ليس بحسبكم أن تكونوا من الأخيار قد ثبت لجميع من أسلم من أهل المدينة وهم الانصار الشرف والرفعة في الدنيا والآخرة قال الله تعالى والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم وقال تعالى والذين تبوؤا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرءا من الانصار ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الانصار وشعبهم والانصار شعار والناس دثار وقال الانصار كرشي وعيبتي وقال أنا سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وقال البخاري حدثنا حجاج بن منهال ثنا شعبة حدثني عدي بن ثابت قال سمعت البراء بن عازب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الانصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله وقد أخرجه بقية الجماعة إلا أبا داود من حديث شعبة به وقال البخاري أيضا حدثنا مسلم بن ابراهيم ثنا شعبة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن جبير عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال آية الايمان حب الانصار وآية النفاق بغض الانصار ورواه البخاري أيضا عن أبي الوليد والطيالسي ومسلم من حديث خالد بن الحارث وعبد الرحمن بن مهدي أربعتهم
عن شعبة به والآيات والاحاديث في فضائل الانصار كثيرة جدا وما أحسن ما قال أبو قيس صرمة بن أبي أنس المتقدم ذكره أحد شعراء الانصار في قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم ونصرهم إياه ومواساتهم له ولاصحابه رضي الله عنهم أجمعين
قال ابن اسحاق وقال أبو قيس صرمة بن ابي أنس أيضا يذكر ما أكرمهم الله به من الاسلام وما خصهم به من رسوله عليه السلام
ثوى في قريش بضع عشرة حجة * يذكر لو يلقى صديقا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه * فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا
فلما أتانا واطمأنت به النوى * وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
والفى صديقا واطمأنت به النوى * وكان له عونا من الله باديا
يقص لنا ما قال نوح لقومه * وما قال موسى إذ أجاب المناديا
فأصبح لا يخشى من الناس واحدا * قريبا ولا يخشى من الناس نائيا
بذلنا له الاموال من جل مالنا * وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم * جميعا ولو كان الحبيب المواسيا
ونعلم أن الله لا شيء غيره * وان كتاب الله أصبح هاديا
اقول اذا صليت في كل بيعة * حنانيك لا تظهر علينا الأعاديا
أقول اذا جاوزت أرضا مخيفة * تباركت اسم الله أنت المواليا
فطأ معرضا ان الحتوف كثيرة * وانك لا تبقي لنفسك باقيا
فوالله ما يدري الفتى كيف سعيه * اذا هو لم يجعل له الله واقيا
ولا تحفل النخل المعيمة ربها * اذا أصبحت ريا وأصبح ثاويا
ذكرها ابن اسحاق وغيره ورواها عبد الله بن الزبير الحميدي وغيره عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد الانصاري عن عجوز من الانصار قالت رأيت عبد الله بن عباس يختلف الى صرمة بن قيس يروي هذه الابيات رواه البيهقي