فصل (اختلاف الصحابة يوم بدر في المغانم لمن تكون ) .
 
وقد اختلفت الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر في المغانم من المشركين يومئذ لمن تكون منهم وكانوا ثلاثة أصناف حين ولى المشركون ففرقة أحدقت برسول الله صلى الله عليه وسلم تحرسه خوفا من أن يرجع أحد من المشركين إليه وفرقة سارقت وراء المشركين يقتلون منهم ويأسرون وفرقة جمعت المغانم
من متفرقات الاماكن فادعى كل فريق من هؤلاء أنه أحق بالمغنم من الآخرين لما صنع من الأمر المهم قال ابن اسحاق فحدثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة الباهلي قال سألت عبادة بن الصامت عن الانفال فقال فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بين المسلمين عن بواء يقول عن سواء وهكذا رواه احمد عن محمد بن سلمة عن محمد بن اسحاق به ومعنى قوله على السواء أي ساوى فيها بين الذين جمعوها وبين الذين اتبعوا العدو وبين الذين ثبتوا تحت الرايات لم يخصص بها فريقا منهم ممن ادعى التخصيص بها ولا ينفي هذا تخميسها وصرف الخمس في مواضعه كما قد يتوهمه بعض العلماء منهم أبو عبيدة وغيره والله أعلم بل قد تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذو الفقار من مغانم بدر قال ابن جرير وكذا اصطفى جملا لابي جهل كان في أنفه برة من فضة وهذا قبل اخراج الخمس أيضا وقال الامام احمد حدثنا معاوية بن عمرو ثنا ابن اسحاق عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة عن سليمان بن موسى عن أبي سلام عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون وأكبت طائفة على المغنم يحوزونه ويجمعونه وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم الى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وليس لأحد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم باحق به منا نحن نفينا منها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فانزل الله يسألونك عن الانفال قل الانفال لله ولرسوله فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين فقسمها رسول الله بين المسلمين وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أغار في أرض العدو نفل الربع فاذا أقبل راجعا نفل الثلث وكان يكره الانفال وقد روى الترمذي وابن ماجه من حديث الثوري عن عبد الرحمن ابن الحارث آخره وقال الترمذي هذا حديث حسن ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث عبد الرحمن وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه وقد روى أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم من طرق عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا فسارع في ذلك شبان الرجال وبقي الشيوخ تحت الرايات فلما كانت الغنائم جاؤا يطلبون الذي جعل لهم قال الشيوخ لا تستأثروا علينا فانا كنا ردءا لكم لو انكشفتم لفئتم الينا فتنازعوا فانزل الله تعالى يسألونك
عن الانفال قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين وقد ذكرنا في سبب نزول هذه الآية آثارا أخر يطول بسطها ههنا ومعنى الكلام أن الانفال مرجعها إلى حكم الله ورسوله يحكما فيها بما فيه المصلحة للعباد في المعاش والمعاد ولهذا قال تعالى قل الانفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ثم ذكر ما وقع في قصة بدر وما كان من الامر حتى انتهى إلى قوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الآية فالظاهر أن هذه الآية مبينة لحكم الله في الانفال الذي جعل مرده اليه وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم فبينه تعالى وحكم فيه بما أراد تعالى وهو قول أبي زيد وقد زعم أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر على السواء بين الناس ولم يخمسها ثم نزل بيان الخمس بعد ذلك ناسخا لما تقدم وهكذا روى الوالبي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي وفي هذا نظر والله أعلم فان في سياق الآيات قبل آية الخمس وبعدها كلها في غزوة بدر فيقتضي أن ذلك نزل جملة في وقت واحد غير متفاصل بتأخر يقتضي نسخ بعضه بعضا ثم في الصحيحين عن علي رضي الله عنه أنه قال في قصة شار فيه الذين اجتب أسنمتهما حمزة إن إحداهما كانت من الخمس يوم بدر ما يرد صريحا على أبي عبيد أن غنائم بدر لم تخمس والله أعلم بل خمست كما هو قول البخاري وابن جرير وغيرهما وهو الصحيح الراجح والله أعلم