فصل ( رجوع النبي عليه السلام من بدر إلى المدينة ) .
 
في رجوعه عليه السلام من بدر إلى المدينة وما كان من الامور في مسيره اليها مؤيدا منصورا عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام وقد تقدم أن الوقعة كانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة اثنتين من الهجرة وثبت في الصحيحين أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاثة ايام وقد أقام عليه السلام بعرصة بدر ثلاثة ايام كما تقدم وكان رحيله منها ليلة الاثنين فركب ناقته ووقف على قليب بدر فقرع أولئك الذين سحبوا اليه كما تقدم ذكره ثم سار عليه السلام ومعه الاسارى والغنائم الكثيرة وقد بعث عليه السلام بين يديه بشيرين إلى المدينة بالفتح والنصر والظفر على من أشرك بالله وجحده وبه كفر أحدهما عبد الله بن رواحة إلى أعالي المدينة والثاني زيد بن حارثة إلى السافلة قال أسامة بن زيد فاتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه قد احتبس عندها بمرضها بامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ضرب له رسول الله بسهمه وأجره في بدر قال أسامة فلما قدم أبي زيد بن حارثة جئته وهو
واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وزمعة بن الاسود وأبو البختري العاص بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قال قلت يا أبة أحق هذا قال أي والله يا بني وروى البيهقي من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف عثمان وأسامة بن زيد على بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء زيد بن حارثة على العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبشارة قال أسامة فسمعت الهيعة فخرجت فاذا زيد قد جاء بالبشارة فوالله ما صدقت حتى رأينا الاسارى وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهمه وقال الواقدي صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر العصر بالاثيل فلما صلى ركعة تبسم فسئل عن تبسمه فقال يرى ميكائيل وعلى جناحه النقع فتبسم إلي وقال إني كنت في طلب القوم وأتاه جبريل حين فرغ من قتال أهل بدر على فرس أنثى معقود الناصية وقد عصم ثنييه الغبار فقال يا محمد إن ربي بعثني اليك وأمرني أن لا أفارقك حتى ترضى هل رضيت قال نعم قال الواقدي قالوا وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة من الاثيل فجاءا يوم الاحد حين اشتد الضحى وفارق عبد الله بن رواحة زيد بن حارثة من العقيق فجعل عبد الله بن رواحة ينادي على راحلته يا معشر الانصار أبشروا بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم قتل ابنا ربيعة وابنا الحجاج وأبو جهل وقتل زمعة بن الاسود وأمية بن خلف وأسر سهيل بن عمرو قال عاصم بن عدي فقمت اليه فنحوته فقلت أحقا يا ابن رواحة فقال أي والله وغدا يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاسرى مقرنين ثم تتبع دور الانصار بالعالية يبشرهم دارا دارا والصبيان ينشدون معه يقولون قتل أبو جهل الفاسق حتى إذا انتهى إلى دار بني أمية وقدم زيد بن حارثة على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء يبشر أهل المدينة فلما جاء المصلى صاح على راحلته قتل عتبة وشيبة ابنا ربيعة وابنا الحجاج وقتل أمية بن خلف وأبو جهل وأبو البختري وزمعة بن الاسود وأسر سهيل بن عمرو ذو الانياب في أسرى كثير فجعل بعض الناس لا يصدقون زيدا ويقولون ما جاء زيد بن حارثة إلا فلا حتى غاظ المسلمين ذلك وخافوا وقدم زيد حين سوينا على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال رجل من المنافقين لأسامة قتل صاحبكم ومن معه وقال آخر لابي لبابة قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون فيه أبدا وقد قتل عليه أصحابه قتل محمد وهذه ناقته نعرفها وهذا زيد لا يدري ماذا يقول من الرعب وجاء فلا فقال أبو لبابة يكذب الله قولك وقالت اليهود ما جاء زيد إلا فلا قال أسامة فجئت حتى خلوت بابي فقلت أحق ما تقول فقال أي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله وبالمسلمين لنقدمنك إلى رسول الله إذا قدم فليضربن عنقك فقال إنما هو شيء سمعته
من الناس يقولونه قال فجيء بالاسرى وعليهم شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قد شهد معهم بدرا وهم تسع وأربعون رجلا الذين أحصوا قال الواقدي وهم سبعون في الاصل مجتمع عليه لا شك فيه قال ولقي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الروحاء رؤوس الناس يهنئونه بما فتح الله عليه فقال له أسيد بن الحضير يا رسول الله الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى العدو ولكن ظننت أنها عير ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت فقال له رسول الله صدقت قال ابن اسحاق ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا إلى المدينة ومعه الاسارى وفيهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وقد جعل على النفل عبد الله بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار فقال راجز من المسلمين قال ابن هشام يقال إنه هو عدي بن أبي الزغباء
أقم لها صدورها يا بسبس * ليس بذي الطلح لها معرس
ولا بصحراء عمير محبس * إن مطايا القوم لا تحبس
فحملها على الطريق أكيس * قد نصر الله وفر الأخنس
قال ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبن النازية يقال له سير إلى سرجة به فقسم هنالك النفل الذي أفاء الله على المسلمين من المشركين على السواء ثم ارتحل حتى إذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنئونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش كما حدثني عاصم بن عمر ويزيد بن رومان ما الذي تهنئوننا به والله إن لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعلقة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أي ابن أخي أولئك الملأ قال ابن هشام يعني الاشراف والرؤساء