فصل ( في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة : أنس بن مالك ) .
 
قال ابن اسحاق وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول الناس قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر لي الزهري كعب بن مالك قال رأيت عينيه تزهران من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنصت قال ابن اسحاق فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهض معهم نحو الشعب معه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والحارث بن الصمة ورهط من المسلمين فلما أسند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب أدركه أبي بن خلف فذكر قتله عليه السلام أبيا كما تقدم قال ابن اسحاق وكان أبي بن خلف كما حدثني صالح بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فيقول يا محمد ان عندي العود فرسا أعلفه كل يوم فرقا من ذرة أقتلك عليه فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنا أقتلك ان شاء الله فلما رجع الى قريش وقد خدشه في عنقه خدشا غير كبير فاحتقن الدم فقال قتلني والله محمد فقالوا له ذهب والله فؤادك والله ان بك بأس قال انه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني فمات عدو الله بسرف وهم قافلون به الى مكة قال ابن اسحاق فقال حسان بن ثابت في ذلك
لقد ورت الضلالة عن أبيه * أبي يوم بارزه الرسول
أتيت اليه تحمل رم عظم * وتوعده وانت به جهول
وقد قتلت بنو النجار منكم * أمية اذ يغوث يا عقيل
وتب ابنا ربيعة اذ أطاعا * ابا جهل لأمهما الهبول
وافلت حارث لما شغلنا * بأسر القوم أسرته قليل
وقال حسان بن ثابت أيضا * ألا من مبلغ عني أبيا
فقد ألقيت في سحق السعير
تمني بالضلالة من بعيد * وتقسم إن قدرت مع النذور
تمنيك الاماني من بعيد * وقول الكفر يرجع في غرور
فقد لاقتك طعنة ذي حفاظ * كريم البيت ليس بذي فجور
له فضل على الأحياء طرا * اذا نابت ملمات الأمور
قال ابن اسحاق فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب حتى ملأ درقته ماء من المهراس فجاء بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشرب منه فوجد له ريحا فعافه ولم يشرب منه وغسل
عن وجهه الدم وصب على رأسه وهو يقول اشتد غضب الله على من دمي وجه نبيه وقد تقدم شواهد ذلك من الاحاديث الصحيحة بما فيه الكفاية قال ابن اسحاق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب معه أولئك النفر من أصحابه اذ علت عالية من قريش الجبل قال ابن هشام فيهم خالد بن الوليد قال ابن اسحاق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم انه لا ينبغي لهم أن يعلونا فقاتل عمر بن الخطاب ورهط معه من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ونهض النبي صلى الله عليه وسلم الى صخرة من الجبل ليعلوها وقد كان بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر بين درعين فلما ذهب لينهض لم يستطع فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يومئذ أوجب طلحة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ما صنع قال ابن هشام وذكر عمر مولى عفرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم أحد قاعدا من الجراح التي اصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا قال ابن اسحاق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال كان فينا رجل أتى لا يدري من هو يقال له قزمان فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اذا ذكر انه لمن أهل النار قال فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل هو وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل الى دار بني ظفر قال فجعل رجال من المسلمين يقولون له والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر قال بماذا أبشر فوالله ان قاتلت الا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت قال فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه وقد ورد مثل قصة هذا في غزوة خيبر كما سيأتي ان شاء الله قال الامام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن المسيب عن أبي هريرة قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الاسلام هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت انه من أهل النار قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم الى النار فكاد بعض القوم يرتاب فبينما هم على ذلك اذ قيل فانه لم يمت ولكن به جراح شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس انه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وان الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وأخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق به قال ابن اسحاق وكان ممن قتل يوم أحد مخيريق وكان أحد بني ثعلبة بن الغيطون فلما كان يوم أحد قال يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق قالوا ان اليوم يوم السبت قال لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته وقال ان أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما شاء ثم غدا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتل معه حتى قتل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا مخيريق خير يهود قال السهيلي فجعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال مخيريق وكانت سبع حوائط أوقافا بالمدينة لله قال محمد بن كعب القرظي وكانت أول وقف بالمدينة وقال ابن اسحاق وحدثني الحصين بن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة أنه كان يقول حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط فإذا لم يعرفه الناس سألوه من هو فيقول اصيرم بني عبد الاشهل عمرو بن ثابت ابن وقش قال الحصين فقلت لمحمود بن أسد كيف كان شأن الأصيرم قال كان يأبى الاسلام على قومه فلما كان يوم أحد بدا له فأسلم ثم أخذ سيفه فغدا حتى دخل في عرض الناس فقاتل حتى أثبتته الجراحة قال فبينما رجال من بني عبد الاشهل يتحسسون قتلاهم في المعركة اذا هم به فقالوا والله ان هذا للاصيرم ما جاء به لقد تركناه وانه لمنكر لهذا الحديث فسألوه فقالوا ما جاء بك يا عمرو أحدب على قومك أم رغبة في الاسلام فقال بل رغبة في الاسلام آمنت بالله وبرسوله وأسلمت ثم أخذت سيفي وغدوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلت حتى أصابني ما أصابني فلم يلبث أن مات في أيديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انه من أهل الجنة قال ابن اسحاق وحدثني أبي عن أشياخ من بني سلمة قالوا كان عمرو بن الجموح رجلا أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه وقالوا ان الله قد عذرك فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ان بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه فوالله اني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة فخرج معه فقتل يوم أحد رضي الله عنه قال ابن اسحاق ووقعت هند بنت عتبة كما حدثني صالح بن كيسان والنسوة اللائي معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والانوف حتى اتخذت هند من آذان الرجال وأنوفهن خدما وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها وذكر موسى ابن عقبة ان الذي بقر كبد حمزة وحشي فحملها الى هند فلاكتها فلم تستطع أن تسيغها فالله أعلم قال ابن اسحاق ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها فقالت
نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان لي عن عتبة من صبر * ولا أخي وعمه وبكر
شفيت نفسي وقضيت نذري * شفيت وحشي غليل صدري
فشكر وحشي علي عمري * حتى ترم أعظمي في قبري
قال فأجابتها هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب فقالت
خزيت في بدر وبعد بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر
صبحك الله غداة الفجر * م الهاشميين الطوال الزهر
بكل قطاع حسام يفري * حمزة ليثي وعلي صقري
اذ رام شيب وأبوك غدري * فخضبا منه ضواحي النحر
ونذرك السوء فشر نذر
قال ابن اسحاق وكان الحليس بن زيان أخو بني الحارث بن عبد مناة وهو يومئذ سيد الاحابيش مر بأبي سفيان وهو يضرب في شدق حمزة بن عبد المطلب يزج الرمح ويقول ذق عقق فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد قريش يصنع بابن عمه ما ترون لحما فقال ويحك اكتمها عني فإنها كانت زلة قال ابن اسحاق ثم أن أبا سفيان حين أراد الانصراف أشرف على الجبل ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت ان الحرب سجال يوم بيوم بدر أعل هبل أي ظهر دينك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر قم يا عمر فأجبه فقل الله أعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال له أبو سفيان هلم الي يا عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ائته فانظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أنشدك الله يا عمر أقتلنا محمدا فقال عمر اللهم لا وانه ليسمع كلامك الآن قال أنت عندي أصدق من ابن قمئة وأبر قال ابن اسحاق ثم نادى أبو سفيان انه قد كان في قتلاكم مثل والله ما رضيت وما سخطت وما نهيت ولا أمرت قال ولما انصرف أبو سفيان نادى ان موعدكم بدر العام المقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم هو بيننا وبينك موعد قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال أخرج في آثار القوم وانظر ماذا يصنعون وما يريدون فان كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الابل فانهم يريدون مكة وان ركبوا الخيل وساقوا الابل فهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن اليهم فيها ثم لاناجزنهم قال علي فخرجت في أثرهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الابل ووجهوا الى مكة