فصل في غزوة بني قريظة
 
وما أحل الله تعالى بهم من البأس الشديد مع ما أعد الله لهم في الآخره من العذاب الاليم وذلك لكفرهم ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما لأتهم الاحزاب عليه فما أجدى ذلك عنهم شيئا وباؤا بغضب من الله ورسوله والصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة وقد قال الله تعالى ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطأوها وكان الله على كل شيء قديرا قال البخاري حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا عبد الله حدثنا موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا قفل من الغزو والحج والعمرة يبدأ فيكبر ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده
قال محمد بن اسحاق رحمه الله ولما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا الى المدينة والمسلمون ووضعوا السلاح فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني الزهري معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج فقال أو قد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم فقال جبريل ما وضعت الملائكة السلاح بعد وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ان الله يأمرك يا محمد بالمسير الى بني قريظة فإني عامد اليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة قال ابن هشام واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم
وقال البخاري حدثني عبد الله بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعناه فاخرج اليهم قال فإلى أين قال ها هنا وأشار الى بني قريظة فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد وحدثنا حسن حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الاحزاب دخل المغتسل ليغتسل وجاء جبريل فرأيته من خلل البيت قد عصب رأسه الغبار فقال يا محمد أوضعتم أسلحتكم فقال وضعنا أسلحتنا فقال انا لم نضع أسلحتنا بعد انهد الى بني قريظة ثم قال البخاري حدثنا موسى حدثنا جرير بن حازم عن حميد بن هلال عن أنس بن مالك قال كأني أنظر الى الغبار ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بني قريظة ثم قال البخاري حدثنا عبد الله بن محمد بن اسماء حدثنا جويرية بن اسماء عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاحزاب لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم لا نصلي العصر حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء به وقال الحافظ البيهقي حدثنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن خالد بن علي حدثنا بشر بن حرب عن أبيه حدثنا الزهري أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عمه عبيد الله أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الاحزاب وضع عنه اللأمة واغتسل واستحم فتبدى له جبريل عليه السلام فقال عذيرك من محارب ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد قال فوثب النبي صلى الله عليه وسلم فزعا فعزم على الناس أن لا يصلوا صلاة العصر إلا في بني قريظة قال فلبس الناس السلاح فلم يأتوا بني قريظة حتى غربت الشمس فاختصم الناس عند غروب الشمس فقال بعضهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم علينا أن لا نصلي حتى نأتي بني قريظة فانما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا اثم وصلى طائفة من الناس احتسابا وتركت طائفة منهم الصلاة حتى غربت الشمس فصلوها حين جاءوا بني قريظة احتسابا فلم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين ثم روى البيهقي من طريق عبد الله العمري عن أخيه عبيد الله عن القاسم بن محمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عندها فسلم علينا رجل ونحن في البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا وقمت في أثره فاذا بدحية الكلبي فقال هذا جبريل أمرني أن أذهب الى بني قريظة وقال قد وضعتم السلاح لكنا لم نضع طلبنا المشركين حتى بلغنا حمراء الاسد وذلك حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا وقال لأصحابه عزمت عليكم أن لا تصلوا
صلاة العصر حتى تأتوا بني قريظة فغربت الشمس قبل أن يأتوهم فقالت طائفة من المسلمين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد ان تدعوا الصلاة فصلوا وقالت طائفة والله إنا لفي عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علينا من إثم فصلت طائفة إيمانا واحتسابا وتركت طائفة إيمانا واحتسابا ولم يعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا من الفريقين وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بمجالس بينه وبين بني قريظة فقال هل مر بكم أحد فقالوا مر علينا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج فقال ذلك جبريل أرسل الى بني قريظة ليزلزلهم ويقذف في قلوبهم الرعب فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه أن يستروه بالجحف حتى يسمع كلامهم فناداهم يا اخوة القردة والخنازير فقالوا يا أبا القاسم لم تكن فحاشا فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ وكانوا حلفاءه فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم ولهذا الحديث طرق جيدة عن عائشة وغيرها وقد اختلف العلماء في المصيب من الصحابة يومئذ من هو بل الإجماع على أن كلا من الفريقين مأجور ومعذور غير معنف فقالت طائفة من العلماء الذين أخروا الصلاة يومئذ عن وقتها المقدر لها حتى صلوها في بني قريظة هم المصيبون لأن أمرهم يومئذ تأخير الصلاة خاص فيقدم على عموم الأمر بها في وقتها المقدر لها شرعا قال أبو محمد بن حزم الظاهري في كتاب السيرة وعلم الله أنا لو كنا هناك لم نصل العصر إلا في بني قريظة ولو بعد أيام وهذا القول منه ماش على قاعدته الاصلية في الاخذ بالظاهر وقالت طائفة أخرى من العلماء بل الذين صلوا الصلاة في وقتها لما أدركتهم وهم في مسيرهم هم المصيبون لانهم فهموا أن المراد انما هو تعجيل السير الى بني قريظة لا تأخير الصلاة فعملوا بمقتضى الأدلة الدالة على أفضلية الصلاة في أول وقتها مع فهمهم عن الشارع ما أراد ولهذا لم يعنفهم ولم يأمرهم بإعادة الصلاة في وقتها التي حولت اليه يومئذ كما يدعيه أولئك وأما أولئك الذين أخروا فعذروا بحسب ما فهموا وأكثر ما كانوا يؤمرون بالقضاء وقد فعلوه وأما على قول من يجوز تأخير الصلاة لعذر القتال كما فهمه البخاري حيث احتج على ذلك بحديث ابن عمر المتقدم في هذا فلا إشكال على من أخر ولا على من قدم أيضا والله أعلم
ثم قال ابن اسحاق وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ومعه رايته وابتدرها الناس وقال موسى بن عقبة في مغازيه عن الزهري فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغتسله كما يزعمون قد رجل أحد شقيه أتاه جبريل على فرس عليه لأمته حتى وقف بباب المسجد عند موضع الجنائز فخرج اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل غفر الله لك أو قد وضعت السلاح قال نعم فقال جبريل لكنا لم نضعه منذ نزل بك العدو وما زلت في طلبهم حتى هزمهم الله ويقولون ان على وجه جبريل لأثر الغبار فقال له جبريل ان الله قد أمرك بقتال بني قريظة فأنا عامد اليهم بمن معي
من الملائكة نزلزل بهم الحصون فاخرج بالناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثر جبريل فمر على مجلس بني عنم وهم ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم فقال مر عليكم فارس آنفا قالوا مر علينا دجية الكلبي على فرس أبيض تحته نمط أو قطيفة ديباج عليه اللأمة فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذاك جبريل وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشبه دحية الكلبي بجبريل فقال الحقوني ببني قريظة فصلوا فيهم العصر فقاموا وما شاء الله من المسلمين فانطلقوا الى بني قريظة فحانت صلاة العصر وهم بالطريق فذكروا الصلاة فقال بعضهم لبعض ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم أن تصلوا العصر في بني قريظة وقال آخرون هي الصلاة فصلى منهم قوم وأخرت طائفة الصلاة حتى صلوها في بني قريظة بعد أن غابت الشمس فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عجل منهم الصلاة ومن أخرها فذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعنف واحدا من الفريقين قال فلما رأى علي بن أبي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا تلقاه وقال ارجع يا رسول الله فإن الله كافيك اليهود وكان علي قد سمع منهم قولا سيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضي الله عنهن فكره أن يسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تأمرني بالرجوع فكتمه ما سمع منهم فقال أظنك سمعت في منهم أذى فامض فإن أعداء الله لو رأوني لم يقولوا شيئا مما سمعت فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصنهم وكانوا في أعلاه نادى بأعلى صوته نفرا من اشرافهم حتى أسمعهم فقال أجيبوا يا معشر يهود يا اخوة القردة قد نزل بكم خزي الله عز وجل فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتائب المسلمين بضع عشرة ليلة ورد الله حيي بن أخطب حتى دخل حصن بني قريظة وقذف في اللهقلوبهم الرعب واشتد عليهم الحصار فصرخوا بأبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاء الانصار فقال أبو لبابة لا آتيهم حتى يأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذنت لك فأتاهم أبو لبابة فبكوا اليه وقالوا يا أبا لبابة ماذا ترى وماذا تأمرنا فإنه لا طاقة لنا بالقتال فأشار أبو لبابة بيده الى حلقه وأمر عليه اصابعه يريهم انما يراد بهم القتل فلما انصرف أبو لبابة سقط في يده ورأى أنه قد أصابته فتنة عظيمة فقال والله لا أنظر في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحدث لله توبة نصوحا يعلمها الله من نفسي فرجع الى المدينة فربط يديه الى جذع من جذوع المسجد وزعموا أنه ارتبط قريبا من عشرين ليلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غاب عليه أبو لبابة أما فرغ أبو لبابة من حلفائه فذكر له ما فعل فقال لقد أصابته بعدي فتنة ولو جاءني لاستغفرت له وإذ قد فعل هذا فلن أحركه من مكانه حتى يقضي الله فيه ما يشاء وهكذا رواه ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة وكذا ذكره محمد بن اسحاق في مغازيه في مثل سياق موسى بن عقبة عن الزهري ومثل رواية أبي الاسود عن عروة قال ابن اسحاق ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على بئر من آبار بني قريظة
من ناحية أموالهم يقال لها بئر انى فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب وقد كان حيي بن أخطب دخل معهم حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم قال كعب بن اسد يا معشر يهود قد نزل بكم من الامر ما ترون واني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا بما شئتم منها قالوا وما هن قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل وأنه للذي تجدونه في كتابكم فتأمنون به على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال فإذا أبيتم علي هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج الى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف لم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك نسلا نخشى عليه وان نظهر فلعمري لنجدن النساء والابناء قالوا أنقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فان أبيتم علي هذه فالليلة ليلة السبت وانه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة قالوا أنفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فاصابه ما لم يخف عنك من المسخ فقال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة من الدهر حازما ثم انهم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث الينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الاوس نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرق لهم وقالوا يا ابا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده الى حلقه أنه الذبح قال أبو لبابة فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد الى عمود من عمده وقال لا أبرح مكاني حتى يتوب الله على ما صنعت وعاهد الله أن لا أطأ بني قريظة أبدا ولا أرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا قال ابن هشام وأنزل الله فيما قال سفيان بن عيينة عن اسماعيل ابن أبي خالد عن عبد الله بن أبي قتادة يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون قال ابن هشام أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله حتى يتوضأ ويصلي ثم يرتبط حتى نزلت توبته في قوله تعالى وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ان الله غفور رحيم وقول موسى بن عقبة انه مكث عشرين ليلة مرتبطا به والله أعلم وذكر ابن اسحاق أن الله أنزل توبته على رسوله من آخر الليل وهو في بيت أم سلمة فجعل يبتسم فسألته أم سلمة فأخبرها بتوبة الله على أبي لبابة فاستأذنته أن تبشره فأذن لها فخرجت فبشرته فثار الناس اليه يبشرونه وأرادوا أن يحلوه من
رباطه فقال والله لا يحلني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى صلاة الفجر حله من رباطه رضي الله عنه وأرضاه قال ابن اسحاق ثم أن ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد وهم نفر من بني هدل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا في تلك الليلة التي أنزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج في تلك عمرو بن سعدي القرظي فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم محمد بن مسلمة تلك الليلة فلما رآه قال من هذا قال أنا عمرو ابن سعدي وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا اغدر بمحمد أبدا فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمني اقالة عثرات الكرام ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ثم ذهب لم يدر أين توجه من الارض الى يومه هذا فذكر شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذاك رجل نجاه الله بوفائه قال وبعض الناس يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة فاصبحت رمته ملقاة ولم يدر أين ذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة والله أعلم أي ذلك كان قال ابن اسحاق فلما أصبحوا ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواثبت الاوس فقالوا يا رسول الله انهم كانوا موالينا دون الخزرج وقد فعلت في موالي اخواننا بالامس ما قد علمت يعنون عفوه عن بني قينقاع حين سأله فيهم عبد الله ابن ابي كما تقدم قال ابن اسحاق فلما كلمته الاوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الاوس ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى قال فذلك الى سعد بن معاذ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده وكانت تداوي الجرحى فلما حكمه في بني قريظة أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم وكان رجلا جسيما جميلا ثم اقبلوا معه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم انما ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فرجع بعض من كان معه من قومه الى دار بني عبد الاشهل فنعى لهم رجال بني قريظة قبل أن يصل اليهم سعد عن كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا الى سيدكم فأما المهاجرون من قريش فيقولون انما أراد الانصار واما الانصار فيقولون قد عم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فقاموا اليه فقالوا يا أبا عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فقال سعد عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ان الحكم فيهم لما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ها هنا في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال سعد فاني أحكم فيهم أن يقتل الرجال وتقسم الاموال وتسبى الذراري والنساء قال ابن اسحاق فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص
الليثي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة وقال ابن هشام حدثني من أثق به من أهل العلم ان علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة يا كتيبة الايمان وتقدم هو والزبير بن العوام وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو أقتحم حصنهم فقالوا يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ وقد قال الامام احمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن ابراهيم سمعت أبا امامة بن سهل سمعت أبا سعيد الخدري قال نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ قال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سعد فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المسجد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا لسيدكم أو خيركم ثم قال ان هؤلاء نزلوا على حكمك قال نقتل مقاتلتهم ونسبي ذريتهم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيت بحكم الله وربما قال قضيت بحكم الملك وفي رواية الملك أخرجاه في الصحيحين من طرق عن شعبة وقال الامام أحمد حدثنا حجين ويونس قالا حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله انه قال رمى يوم الاحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار فانتفخت يده فنزفه فحسمه أخرى فانتفخت يده فنزفه فلما رأى ذلك قال اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد فأرسل اليه فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم يستعين بهم المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت حكم الله فيهم وكانوا أربعمائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات وقد رواه الترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن الليث به وقال الترمذي حسن صحيح وقال الامام احمد حدثنا ابن نمير عن هشام أخبرني أبي عن عائشة قالت لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وعلى رأسه الغبار فقال قد وضعت السلاح فوالله ما وضعتها أخرج اليهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين قال ها هنا وأشار الى بني قريظة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم قال هشام فأخبرني أبي انهم نزلوا على حكم النبي صلى الله عليه وسلم فرد الحكم فيهم الى سعد قال فاني أحكم أن تقتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية وتقسم أموالهم قال هشام قال أبي فأخبرت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقد حكمت فيهم بحكم الله وقال البخاري حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت أصيب سعد يوم الخندق رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة رماه في الاكحل فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال قد وضعت السلاح والله ما وضعته أخرج اليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم فأين فأشار الى بني قريظة فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه فرد الحكم الى سعد قال فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى النساء والذرية وأن تقسم أموالهم قال هشام فأخبرني أبي عن عائشة أن سعدا قال اللهم انك تعلم أنه
ليس أحد أحب الي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه اللهم فاني أظن انك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فان كان بقي من حرب قريش شيء فأبقى له حتى أجاهدهم فيك وان كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها فانفجرت من لبته فلم يرعهم وفي المسجد خيمة من بني غفار الا الدم يسيل اليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم فإذا هو سعد يغدو جرحه دما فمات منها وهذا رواه مسلم من حديث عبد الله بن نمير به قلت كان دعا أولا بهذا الدعاء قبل أن يحكم في بني قريظة ولهذا قال فيه ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب الله له فلما حكم فيهم وأقر الله عينه أي قرار دعا ثانيا بهذا الدعاء فجعلها الله له شهادة رضي الله عنه وأرضاه وسيأتي ذكر وفاته قريبا ان شاء الله وقد رواه الامام أحمد من وجه آخر عن عائشة مطولا جدا وفيه فوائد فقال حدثنا يزيد أنبأنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال أخبرتني عائشة قالت خرجت يوم الخندق أقفو الناس فسمعت وئيد الارض ورائي فاذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة قالت فجلست الى الارض فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه فانا أتخوف على أطراف سعد قالت وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم فمر وهو يرتجز ويقول
لبث قليلا يدرك الهيجا جمل * ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت فقمت فاقتحمت حديقة فإذا نفر من المسلمين فإذا فيها عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة له تعني المغفر فقال عمر ما جاء بك والله انك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز فما زال يلومني حتى تمنيت أن الارض فتحت ساعتئذ فدخلت فيها فرفع الرجل السبغة عن وجهه فاذا هو طلحة بن عبيد الله فقال يا عمر ويحك انك قد اكثرت منذ اليوم وأين التحوز أو الفرار الا الى الله عز وجل قالت ويرمي سعدا رجل من قريش يقال له ابن العرقة وقال خذها وأنا ابن العرقة فاصاب أكحله فقطعه فدعا الله سعد فقال اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة قالت وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية قالت فرقأ كلمه وبعث الله الريح على المشركين وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد قالت فجاء جبريل وان على ثناياه لنقع الغبار فقال أقد وضعت السلاح لا والله ما وضعت الملائكة السلاح بعد أخرج الى بني قريظة فقاتلهم قالت فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا فمر على بني غنم وهم جيران المسجد حوله فقال من مر بكم قالوا مر بنا دحية الكلبي وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه
جبريل عليه السلام فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة فلما اشتد حصرهم واشتد البلاء قيل لهم انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاروا ابا لبابة بن عبد المنذر فأشار اليهم أنه الذبح قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انزلوا على حكم سعد بن معاذ فأتي به على حمار عليه اكاف من ليف قد حمل عليه وحف به قومه فقالوا يا ابا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت قالت ولا يرجع اليهم شيئا ولا يلتفت اليهم حتى اذا دنا من دورهم التفت الى قومه فقال قد آن لي أن لا ابالي في الله لومة لائم قالت قال أبو سعيد فلما طلع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا الى سيدكم فانزلوه قال عمر سيدنا الله قال انزلوه فانزلوه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم فيهم فقال سعد فاني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم وتقسم أموالهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله وحكم رسوله ثم دعا سعد فقال اللهم إن كنت أبقيت على نبيك من حرب قريش شيئا فأبقني لها وان كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني اليك قالت فانفجر كلمه وكان قد برئ حتى لا يرى منه الا مثل الخرص ورجع الى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر قالت فوالذي نفس محمد بيده اني لاعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتي وكانوا كما قال الله رحماء بينهم قال علقمة فقلت يا أمة فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قالت كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان اذا وجد فانما هو آخذ بلحيته وهذا الحديث إسناده جيد وله شواهد من وجوه كثيرة وفيه التصريح بدعاء سعد مرتين مرة قبل حكمه في بني قريظة ومرة بعد ذلك كما قلناه أولا ولله الحمد والمنة وسنذكر كيفية وفاته ودفنه وفضله في ذلك رضي الله عنه وأرضاه بعد فراغنا من القصة قال ابن اسحاق ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار قلت هي نسيبة ابنة الحارث بن كرز بن حبيب بن عبد شمس وكانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز ثم خرج صلى الله عليه وسلم الى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعث اليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق فخرج بهم اليه ارسالا وفيهم عدو الله حيي بن أخطب وكعب بن أسد رأس القوم وهم ستمائة أو سبعمائة والمكثر لهم يقول كانوا ما بين الثمانمائة والتسعمائة قلت وقد تقدم فيما رواه الليث عن أبى الزبير عن أنهم كانوا أربعمائة فالله أعلم قال ابن اسحاق وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارسالا يا كعب ما تراه يصنع بنا قال افي كل موطن لا تعقلون ألا ترون الداعي لا ينزع ومن ذهب به منكم لا يرجع هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم وأتى بحيي بن أخطب وعليه حلة له فقاحية قد شقها
عليه من كل ناحية قدر أنملة لئلا يسلبها مجموعة يداه الى عنقه بحبل فلما نظر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل ثم اقبل على الناس فقال أيها الناس انه لا بأس بأمر الله كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه فقال جبل بن جوال الثعلبي
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه من يخذل الله يخذل
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها * وقلقل يبغي العز كل مقلقل
وذكر ابن اسحاق قصة الزبير بن باطا وكان شيخا كبيرا قد عمي وكان قد من يوم بعاث على ثابت بن قيس بن شماس وجز ناصيته فلما كان هذا اليوم أراد أن يكافئه فجاءه فقال هل تعرفني يا أبا عبد الرحمن قال وهل يجهل مثلي مثلك فقال له ثابت أريد أن أكافئك فقال ان الكريم يجزي الكريم فذهب ثابت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلقه فأطلقه له ثم جاءه فأخبره فقال شيخ كبير لا أهل ولا ولد فما يصنع بالحياة فذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلق له امرأته وولده فأطلقهم له ثم جاءه فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فأتى ثابت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلق مال الزبير بن باطا فأطلقه له ثم جاءه فأخبره فقال له يا ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى حي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادى حي بن أخطب قال قتل قال قال فما فعل مقدمتنا اذا شددنا وحاميتنا اذا فررنا عزال بن شموال قال قتل قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قال ذهبوا قتلوا قال فاني اسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير فما أنا بصابر لله فيلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة فقدمه ثابت فضربت عنقه فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ألقى الاحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا قال ابن اسحاق فيلة بالفاء والياء الثمناة من أسفل وقال ابن هشام بالقاف والباء الموحدة وقال ابن هشام الناضح البعير الذي يستقي عليه الماء لسقي النخل وقال أبو عبيدة معناه افراغة دلو
قال ابن اسحاق وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر كل بقتل من انبت منهم فحدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من انبت منهم وكنت غلاما فوجدوني لم أنبت فخلوا سبيلي ورواه أهل السنن الاربعة من حديث عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي نحوه وقد استدل به من ذهب من العلماء الى أن انبات الشعر الخشن حول الفرج دليل على البلوغ بل هو بلوغ في أصح قولي الشافعي ومن العلماء من يقرن بين ضبيان أهل اللغة يكون بلوغا في حقهم دون غيرهم لان المسلم قد يتأذى بذلك
لمقصد وقد روى اسحاق عن أيوب بن عبد الرحمن أن سلمى بنت قيس أم المنذر استطلقت من رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن شموال وكان قد بلغ فلاذ بها وكان يعرفهم قبل ذلك فأطلقه لها وكانت قالت يا رسول الله ان رفاعة يزعم أه سيصلى ويأكل لحمل الجمل فأجابها الى ذلك فأطلقه قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة قالت والله انها لعندي تحدث معي تضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق إذ هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا والله قالت قلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته قالت فانطلق بها فضربت عنقها وكانت عائشة تقول فوالله ما أنسى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت انها تقتل وهكذا رواه الامام احمد عن يعقوب بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن اسحاق به قال ابن اسحاق هي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته يعني فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم به قال ابن اسحاق في موضع آخر وسماها نباتة امرأة الحكم القرظي قال ابن اسحاق ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين بعد ما أخرج الخمس وقسم للفارس ثلاثة أسهم سهمين للفرس وسهما لراكبه وسهما للراجل وكانت الخيل يومئذ ستا وثلاثين قال وكان أول فيء وقعت فيه السهمان وخمس قال ابن اسحاق وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن زيد بسبايا من بني قريظة الى نجد فابتاع بها خيلا وسلاحا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة احدى نساء بني عمرو بن قريظة وكان عليها حتى توفي عنها وهي في ملكه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها الاسلام فامتنعت ثم اسلمت بعد ذلك فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامها وقد عرض عليها أن يعتقها ويتزوجها فاختارت أن تستمر على الرق ليكون أسهل عليها فلم تزل عنده حتى توفي عليه الصلاة والسلام ثم تكلم ابن اسحاق على ما نزل من الآيات في قصة الخندق من أول سورة الاحزاب وقد ذكرنا ذلك مستقصى في تفسيرها ولله الحمد والمنة وقد قال ابن اسحاق واستشهد من المسلمين يوم بني قريظة خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو الخزرجي طرحت عليه رحا فشدخته شدخا شديدا فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن له لأجر شهيدين قلت كان الذى ألقى عليه الرحى تلك المرأة التي لم يقتل من بني قريظة امرأة غيرها كما تقدم والله أعلم قال ابن اسحاق ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان من بني أسد بن خزيمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة فدفن في مقبرتهم اليوم