فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بام حبيبة
 

ذكر البيهقي بعد وقعة الخندق من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة قال هو تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين وصار معاوية خال المؤمنين ثم قال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا احمد بن نجدة حدثنا يحيى بن عبد الحميد أنبأنا ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة انها كانت عند عبد الله بن جحش وكان رحل الى النجاشي فمات وان رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بأم حبيبة وهي بأرض الحبشة وزوجها اياه النجاشي ومهرها أربعة آلاف درهم وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة وجهزها من عنده وما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء قال وكان مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أربعمائة قلت والصحيح ان مهور أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت ثنتى عشرة أوقية ونشا والوقية أربعون درهما والنش النصف وذلك يعدل خمسمائة درهم ثم روى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة ان عبيد الله بن جحش مات بالحبشة نصرانيا فخلف على زوجته ام حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها منه عثمان بن عفان رضي الله عنه
قلت أما تنصر عبيد الله بن جحش فقد تقدم بيانه وذلك على أثر ما هاجر مع المسلمين الى أرض الحبشة استزله الشيطان فزين له دين النصارى فصار اليه حتى مات عليه لعنه الله وكان يعير المسلمين فيقول لهم أبصرنا وصأصأتم وقد تقدم شرح ذلك في هجرة الحبشة وأما قول عروة ان عثمان زوجها منه فغريب لأن عثمان كان قد رجع الى مكة قبل ذلك ثم هاجر الى المدينة وصحبته زوجته رقية كما تقدم والله أعلم والصحيح ما ذكره يونس عن محمد بن اسحاق قال بلغني ان الذي ولي نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص قلت وكان وكيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبول العقد أصحمة النجاشي ملك الحبشة كما قال يونس عن محمد بن اسحاق حدثني أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري الى النجاشي فزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان وساق عنه أربعمائة دينار
وقال الزبير بن بكار حدثني محمد بن الحسن عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن زهير عن اسماعيل بن عمرو أن أم حبيبة بنت أبي سفيان قالت ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي جارية يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ووهنه فاستأذنت علي فأذنت لها فقالت ان الملك يقول له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه فقلت بشرك الله بالخير وقالت يقول لك
الملك وكلي من يزوجك قالت فأرسلت الى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطيت أبرهة سوارين من فضة وخذمتين من فضة كانتا علي وخواتيم من فضة في كل أصابع رجلي سرورا بما بشرتني به فلما أن كان من العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن كان هناك من المسلمين أن يحضروا وخطب النجاشي وقال الحمد لله الملك القدوس المؤمن العزيز الجبار وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب أن أزوجه ام حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقها أربعمائة دينار ثم سكب الدنانير بين يدي القوم فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد لله أحمده واستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت الى ما دعا اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع النجاشي الدنانير الى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال اجلسوا فان من سنة الانبياء اذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قلت فلعل عمرو بن العاص لما رأى عمرو بن أمية خارجا من عند النجاشي بعد الخندق انما كان في قضية أم حبيبة فالله أعلم لكن قال الحافظ البيهقي ذكر أبو عبد الله ابن منده أن تزويجه عليه السلام بام حبيبة كان في سنة ست وان تزويجه بأم سلمة كان في سنة أربع قلت وكذا قال خليفة وأبو عبيد الله معمر بن المثنى وابن البرقي وان تزويج أم حبيبة كان في سنة ست وقال بعض الناس سنة سبع قال البيهقي هو أشبه قلت قد تقدم تزويجه عليه السلام بام سلمة في أواخر سنة أربع وأما أم حبيبة فيحتمل أن يكون قبل ذلك ويحتمل أن يكون بعده وكونه بعد الخندق أشبه لما تقدم من ذكر عمرو بن العاص أنه رأى عمرو بن أمية عند النجاشي فهو في قضيتها والله أعلم وقد حكى الحافظ ابن الاثير في الغابة عن قتادة أن أم حبيبة لما هاجرت من الحبشة الى المدينة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها وحكي عن بعضهم أنه تزوجها بعد اسلام أبيها بعد الفتح واحتج هذا القائل بما رواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار اليماني عن أبي زميل سماك بن الوليد عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال نعم قال تؤمرني على أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال نعم قال وعندي أحسن العرب واجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها الحديث بتمامه قال ابن الاثير وهذا الحديث مما أنكر على مسلم لان أبا سفيان لما جاء يجدد العقد قبل الفتح دخل على ابنته أم حبيبة فثنت عنه فراش النبي صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أدري أرغبت بي عنه أو به عني قالت بل هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك فقال والله لقد أصابك بعدي يا بنية شر
وقال ابن حزم هذا الحديث وضعه عكرمة بن عمار وهذا القول منه لا يتابع عليه وقال آخرون اراد أن يجدد العقد لما فيه بغير إذنه من الغضاضة عليه وقال بعضهم لانه اعتقد انفساخ نكاح ابنته باسلامه وهذه كلها ضعيفة والاحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الاخرى مرة لما رأى في ذلك من الشرف له واستعان باختها أم حبيبة كما في الصحيحين وانما وهم الراوي في تسميته أم حبيبة وقد اوردنا لذلك خبرا مفردا قال ابو عبيد القاسم بن سلام توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين وقال ابو بكر بن أبي خيثمة توفيت قبل معاوية لسنة وكانت وفاة معاوية في رجب سنة ستين