قصة الأفك
 

وهذا سياق محمد بن اسحاق حديث الافك قال ابن اسحاق حدثني الزهري عن علقمة بن وقاص وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبد الله بن عبيد الله بن عتبة قال الزهري وكل قد حدثني بهذا الحديث وبعض القوم كان أوعى له من بعض وقد جمعت كل الذي حدثني القوم قال ابن اسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة وعبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة عن نفسها حين قال فيها أهل الافك ما قالوا فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه وكل كان عنها ثقة فكلهم حدث عنها بما سمع قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه فلما كان غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه كما كان يصنع فخرج سهمي عليهن فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وكان النساء إذ ذاك يأكلن العلق لم يهجهن اللحم فيثقلن وكنت اذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ثم يأتي القوم الذين كانوا يرحلون لي فيحملونني ويأخذون بأسفل الهودج فيرفعونه فيضعونه على ظهر البعير فيشدونه بحباله ثم يأخذون برأس البعير فينطلقون به قالت فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك وجه قافلا حتى اذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا فبات به بعض الليل ثم اذن مؤذن في الناس بالرحيل فارتحل الناس وخرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي فيه جزع ظفار فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري فلما رجعت الى الرحيل ذهبت ألتمسه في عنقي فلم أجده وقد أخذ الناس في الرحيل فرجعت الى مكاني الذي ذهبت اليه فألتمسته حتى وجدته وجاء القوم خلافي الذين كانوا يرحلون لي البعير وقد كانوا فرغوا من رحلته فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه كما كنت أصنع فاحتملوه فشدوه على البعير ولم يشكوا أني فيه ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به فرجعت الى العسكر وما فيه داع ولا مجيب قد انطلق الناس قال فتلففت بجلبابي ثم اضطجعت في مكاني وعرفت أن لو افتقدت لرجع الناس الي قالت فوالله اني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي وكان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجاته فلم يبت مع الناس فرأى سوادي فأقبل حتى وقف علي وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب فلما رآني قال إنا لله وإنا إليه راجعون ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا متلففة في ثيابي قال ما خلفك يرحمك الله قالت فما كلمته ثم قرب الي البعير فقال اركبي واستأخر عني قالت فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس فوالله ما أدركنا الناس وما افتقدت حتى أصبحت ونزل الناس فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي فقال أهل الافك ما قالوا وارتج العسكر والله ما أعلم بشيء من ذلك ثم قدمنا المدينة فلم ألبث أن اشتكيت شكوى
شديدة لا يبلغني من ذلك شيء وقد انتهى الحديث الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى أبوي لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي كنت اذا اشتكيت رحمني ولطف بي فلم يفعل ذلك بي في شكواي ذلك فانكرت ذلك منه كان اذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال كيف تيكم لا يزيد على ذلك قالت حتى وجدت في نفسي فقلت يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لي لو أذنت لي فانتقلت الى أمي فمرضتني قال لا عليك قالت فانقلبت الى أمي ولا علم لي بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع عشرين ليلة وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الاعاجم نعافها ونكرهها انما كنا نخرج في فسح المدينة وانما كانت النساء يخرجن في كل ليلة في حوائجهن فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ابنة ابي رهم بن المطلب قالت فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح ومسطح لقب واسمه عوف قالت فقلت بئس لعمرو الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر قالت قلت وما الخبر فاخبرتني بالذي كان من قول أهل الافك قلت أو قد كان هذا قالت نعم والله لقد كان قالت فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي قالت وقلت لامي يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به ولا تذكرين لي من ذلك شيئا قالت أي بنية خففي عليك الشأن فوالله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها قالت وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبهم ولا أعلم بذلك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق والله ما علمت عليهم إلا خيرا ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه الا خيرا ولا يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي قالت وكان كبر ذلك عند عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكن امرأة من نسائه تناصيني في المنزلة عنده غيرها فأما زينب فعصمها الله بدينها فلم تقل إلا خيرا وأما حمنة فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لاختها فشقيت بذلك فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة قال أسيد بن حضير يا رسول الله ان يكونوا من الاوس نكفيكهم وان يكونوا من اخواننا من الخزرج فمرنا أمرك فوالله انهم لأهل أن تضرب أعناقهم قالت فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك يرى رجلا صالحا فقال كذبت لعمر الله ما تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة الا أنك قد عرفت انهم من الخزرج ولو كانوا من قومك ما قلت هذا فقال أسيد بن حضير كذبت لعمر الله ولكنك منافق تجادل عن المنافقين قالت وتساور الناس حتى كاد
يكون بين هذين الحيين من الاوس والخزرج شر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل علي فدعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما فأما أسامة فأثنى خيرا وقاله ثم قال يا رسول الله أهلك وما نعلم منهم إلا خيرا وهذا الكذب والباطل وأما علي فانه قال يا رسول الله ان النساء لكثير وانك لقادر على أن تستخلف وسل الجارية فانها ستصدقك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة يسألها قالت فقام اليها علي فضربها ضربا شديدا ويقول أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فتقول والله ما أعلم إلا خيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا الا اني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله قالت ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي أبواي وعندي امرأة من الانصار وأنا أبكي وهي تبكي فجلس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا عائشة انه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتقي الله وان كنت قد فارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي الى الله فان الله يقبل التوبة عن عباده قالت فوالله ان هو الا أن قال لي ذلك فقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئا وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما قالت وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي وأصغر شأنا من أن ينزل الله في قرآنا يقرأ به ويصلى به ولكني كنت أرجو أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب الله به عني لما يعلم من براءتي ويخبر خبرا وأما قرآنا ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك قالت فلما لم أر أبوي يتكلمان قلت لهما ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا والله ما ندري بما نجيبه قالت ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل علي آل أبي بكر في تلك الايام قالت فلما استعجما علي استعبرت فبكيت ثم قلت والله لا أتوب الى الله مما ذكرت أبدا والله اني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم اني منه بريئة لأقولن ما لم يكن ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني قالت ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره فقلت ولكن سأقول كما قال أبو يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه فسجى بثوبه ووضعت وسادة من أدم تحت رأسه فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت وما باليت قد عرفت اني بريئة وان الله غير ظالمي وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتحرجن أنفسهما فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس قالت ثم سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس وانه ليتحدر من وجهه مثل الجمان في يوم شات فجعل يمسح العرق عن وجهه ويقول أبشري يا عائشة قد أنزل الله عز وجل براءتك قالت قلت الحمد لله ثم خرج الى الناس فخطبهم وتلا عليهم ما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك ثم أمر بمسطح بن اثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش وكانوا ممن أفصح بالفاحشة فضربوا حدهم
وهذا الحديث مخرج في الصحيحين عن الزهري وهذا السياق فيه فوائد جمة وذكر حد القذف لحسان ومن معه رواه أبو داود في سننه قال ابن اسحاق وقال قائل من المسلمين في ضرب حسان وأصحابه
لقد ذاق حسان الذي كان أهله * وحمنة اذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم * وسخطة ذي العرش الكريم فأترحوا
وآذوا رسول الله فيها فجللوا * مخازي تبقى عمموها وفضحوا
وصبت عليهم محصدات كأنها * شآبيب قطر في ذرا المزن تسفح
وقد ذكر ابن اسحاق أن حسان بن ثابت قال شعرا يهجو فيه صفوان بن المعطل وجماعة من قريش ممن تخاصم على الماء من أصحاب جهجهاه كما تقدم أوله هي
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا * وابن الفريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه * أو كان منتشبا في برثن الاسد
ما لقتيلي الذي أعدو فآخذه * من دية فيه يعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح سامية * فيغطئل ويرمي العبر بالزبد
يوما بأغلب مني حين تبصرني * ملغيظ أفري كفري العارض البرد
أما قريش فاني لا اسالمها * حتى ينيبوا من الغياث للرشد
ويتركوا اللات والعزى بمعزلة * ويسجدوا كلهم للواحد الصمد
ويشهدوا ان ما قال الرسول لهم * حق فيوفوا بحق الله والوكد
قال فاعترضه صفوان بن المعطل فضربه بالسيف وهو يقول
تلق ذباب السيف عني فانني * غلام اذا هوجيت لست بشاعر
وذكر أن ثابت بن قيس بن شماس أخذ صفوان حين ضرب حسان فشده وثاقا فلقيه عبد الله بن رواحة فقال ما هذا فقال ضرب حسان بالسيف فقال عبد الله هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك قال لا فاطلقه ثم أتوا كلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن معطل يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حسان أتشوهت على قومي اذ هداهم الله ثم قال أحسن يا حسان فيما أصابك فقال هي لك يا رسول الله فعوضه منها بيرحاء التي تصدق بها أبو طلحة وجارية قبطية يقال لها سيرين جاءه منها ابنه عبد الرحمن قال وكانت عائشة تقول سئل عن ابن المعطل فوجد رجلا حصورا ما يأتي النساء ثم قتل بعد ذلك شهيدا رضي الله عنه قال ابن اسحاق ثم قال حسان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
عقيلة حي من لؤي بن غالب * كرام المساعي مجدهم غير زائل
وان الذي قد قيل ليس بلائط * بك الدهر بل قيل امرئ بي ماحل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم * فلا رفعت سوطي الى أناملي
فكيف وودي ما حييت ونصرتي * لآل رسول الله زين المحافل
وان لهم عزا ترى الناس دونه * قصارا وطال العز كل التطاول
ولتكتب ها هنا الآيات من سورة النور وهي من قوله تعالى ان الذين جاءوا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الاثم الى مغفرة ورزق كريم وما أوردناه هنالك من الأحاديث والطرق والآثار عن السلف والخلف وبالله التوفيق

الموضوع التالي


غزوة الحديبية