غزوة الحديبية
 

وقد كانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف وممن نص على ذلك الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة ومحمد بن اسحاق بن يسار وغيرهم وهو الذي رواه ابن لهيعة عن أبي الاسود عن عروة انها كانت في ذي القعدة سنة ست وقال يعقوب بن سفيان حدثنا اسماعيل ابن الخليل على علي بن مسهر أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الحديبية في رمضان وكانت الحديبية في شوال وهذا غريب جدا عن عروة وقد روى البخاري ومسلم جميعا عن هدبة عن قتادة همام أن أنس بن مالك أخبره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة الا العمرة التي مع حجته عمرة من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة ومن الجعرانة في ذي القعدة حيث قسم غنائم حنين وعمرة مع حجته وهذا لفظ البخاري وقال ابن اسحاق ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة رمضان وشوال وخرج في ذي القعدة معتمرا لا يريد حربا قال ابن هشام واستعمل على المدينة نميلة بن عبد الله الليثي قال ابن اسحاق واستنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الاعراب ليخرجوا معه وهو يخشى من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت فأبطأ عليه كثير من الاعراب وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والانصار ومن لحق به من العرب وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه وليعلم الناس أنه انها خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له قال ابن اسحاق وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم انهما حدثاه قالا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت لا يريد قتالا وساق معه الهدي سبعين بدنة وكان الناس سبعمائة رجل وكانت كل بدنة عن عشرة نفر وكان جابر بن عبد الله
فيما بلغني يقول كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة قال الزهري وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجوا معهم العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدموا الى كراع الغميم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ويح قريش قد اكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فان هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وان أظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين وان لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على هذا الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة ثم قال من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله ابن أبي بكر ان رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا أجرل بين شعاب فلما خرجوا منه وقد شق ذلك على المسلمين فأفضوا الى أرض سهلة عند منقطع الوادي قال رسول الله قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله انها للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها قال ابن شهاب فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمض في طريق يخرجه على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة قال فسلك الجيش ذلك الطريق فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ركضوا راجعين الى قريش وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا سلك في ثنية المرار بركت ناقته فقال الناس خلأت فقال ما خلأت وما هو لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة لا تدعوني قريش اليوم الى خطة يسألوني فيها صلة الرحم الا أعطيتهم اياها ثم قال للناس انزلوا قيل له يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج سهما من كنانته فأعطاه رجلا من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن قال ابن اسحاق فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم ان الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وقد زعم بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله أعلم أي ذلك كان ثم استدل ابن اسحاق للاول ان جارية من الانصار جاءت البئر وناجية أسفله يميح فقالت
يا أيها المائح دلوي دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيرا ويمجدونكا *
فأجابها فقال
قد علمت جارية يمانيه * اني أنا المائح واسمي ناجيه
وطعنة ذات رشاش واهيه * طعنتها عند صدور العاديه
قال الزهري في حديثه فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء في رجال من خزاعة فكلموه وسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وانما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته ثم قال لهم نحو ما قال لبشر بن سفيان فرجعوا الى قريش فقالوا يا معشر قريش انكم تعجلون على محمد وان محمدا لم يأت لقتال انما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم وقالوا وإن جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة ولا تحدث بذلك عنا العرب قال الزهري وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئا كان بمكة قال ثم بعثوا اليه مكرز بن حفص بن الاخيف أخا بني عامر بن لؤي فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال هذا رجل غادر فلما انتهى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا مما قال لبديل وأصحابه فرجع الى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعثوا بحليس بن علقمة أو ابن زبان وكان يومئذ سيد الاحابيش وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ان هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس عن محله رجع الى قريش ولم يصل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اعظاما لما رأى فقال لهم ذلك قال فقالوا له اجلس فانما انت اعرابي لا علم لك قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن الحليس غضب عند ذلك وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاهدناكم أيصد عن بيت الله من جاءه معظما له والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لانفرن بالاحابيش نفرة رجل واحد قالوا مه كف عنا حتى نأخذ لانفسنا ما نرضى به قال الزهري في حديثه ثم بعثوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي فقال يا معشر قريش اني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه الى محمد اذ جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم أنكم والد وابي ولد وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس وقد سمعت بالذي نابكم فجمعت من أطاعني من قومي ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال يا محمد أجمعت أوشاب الناس ثم جئت بهم الى بيضتك لتفضها بهم انها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا قال وأبو بكر الصديق رضي الله عنه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال امصص بظر اللات
أنحن ننكشف عنه قال من هذا يا محمد قال هذا ابن أبي قحافة قال اما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ولكن هذه بهذه قال ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه والمغيرة ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد قال فجعل يقرع يده اذ يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل اليك قال فيقول عروة ويحك ما أفظك وأغلظك قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عروة من هذا يا محمد قال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة قال أي غدر وهل غسلت سوءتك إلا بالامس قال الزهري فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ما كلم به أصحابه وأخبره أنه لم يأت يريد حربا فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ولا يبصق بصاقا إلا ابتدروه ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه فرجع الى قريش فقال يا معشر قريش اني قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه واني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم قال ابن اسحاق وحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي فبعثه الى قريش بمكة وحمله على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرادوا قتله فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن اسحاق وحدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس أن قريشا كانوا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين أمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا لهم من أصحابه أحدا فأخذوا فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه الى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله اني أخاف قريشا على نفسي وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكني أدلك على رجل أعز بها مني عثمان ابن عفان فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فبعثه الى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فخرج عثمان الى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة أو قبل أن يدخلها فحمله بين يديه ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به فقالوا لعثمان حين بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لافعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل قال ابن اسحاق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الى البيعة وكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة
وكان الناس يقولون بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت وكان جابر بن عبد الله يقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين إلا حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة وكان جابر بن عبد الله يقول والله لكأني أنظر اليه لاصقا بأبط ناقته قد ضبأ اليها يستتر من الناس ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل قال ابن هشام وذكر وكيع عن اسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الاسدي قال ابن هشام وحدثني من أثق به عمن حدثه باسناد له عن ابن أبي مليكة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان فضرب باحدى يديه على الاخرى وهذا الحديث الذي ذكره ابن هشام بهذا الاسناد ضعيف لكنه ثابت في الصحيحين قال ابن اسحاق قال الزهري ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عامر بن لؤي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا آت محمدا وصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فوالله لا تتحدث العرب أنه دخلها عنوة أبدا فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال قد اراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل فلما انتهى سهل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام تراجعا ثم جرى بينهما الصلح فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب وثب عمر فأتى ابا بكر فقال يا أبا بكر أليس برسول الله قال بلى قال اولسنا بالمسلمين قال بلى قال أوليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدينة في ديننا قال ابو بكر يا عمر الزم غرزه فاني اشهد أنه رسول الله قال عمر وانا اشهد انه رسول الله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ألست برسول الله قال بلى قال أولسنا مسلمين قال بلى قال أوليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدنية في ديننا قال انا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني وكان عمر رضي الله عنه يقول ما زلت أصوم واتصدق واصلي واعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمته يومئذ حتى رجوت أن يكون خيرا قال ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم قال فقال سهيل لا اعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو قال فقال سهيل لو شهدت أنك رسول الله لم اقاتلك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على انه من أتى محمدا من قريش بغير اذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وان بيننا عيبة مكفوفة وانه ألا أسلال ولا اغلال وانه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد وعهده
وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وانك ترجع عامك هذا فلا تدخل علينا مكة وانه اذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت فيها ثلاثا معك سلاح الراكب السيوف في القرب لا تدخلها بغيرها قال فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا من الصلح والرجوع وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون فلما رأى سهيل أبا جندل قام اليه فضرب وجهه وأخذ بتلبيبه وقال يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا قال صدقت فجعل ينتره بتلبيبه ويجره يعني يرده الى قريش وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أرد الى المشركين يفتنونني في ديني فزاد ذلك الناس الى ما بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فان الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا انا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وانا لا نغدر بهم قال فوثب عمر ابن الخطاب مع أبي جندل يمشي الى جنبه ويقول اصبر أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم أحدهم دم كلب قال ويدني قائم السيف منه قال يقول عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب أباه قال فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب أشهد على الصلح رجالا من المسلمين ورجالا من المشركين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن سهيل بن عمرو وسعد بن أبي وقاص ومحمود بن مسلمة ومكرز بن حفص وهو يومئذ مشرك وعلي بن ابي طالب وكتب وكان هو كاتب الصحيفة
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطربا في الحل وكان يصلي في الحرم فلما فرغ من الصلح قام الى هديه فنحره ثم جلس فحلق رأسه وكان الذي حلقه في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون قال ابن اسحاق حدثني عبد الله بن ابي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال يرحم الله المحلقين قالوا والمقصرين يا رسول الله قال والمقصرين قالوا يا رسول الله فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين قال لم يشكو وقال عبد الله بن أبي نجيح حدثني مجاهد عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ بذلك المشركين هذا سياق محمد بن اسحاق رحمه الله لهذه القصة وفي سياق البخاري كما سيأتي مخالفة في بعض الأماكن لهذا السياق كما ستراها ان شاء الله وبه الثقة ولنوردها بتمامها ونذكر في الاحاديث الصحاح والحسان ما فيه ان شاء الله تعالى وعليه التكلان وهو المستعان
قال البخاري حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثنا صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم اقبل علينا بوجهه فقال أتدرون ماذا قال ربكم فقلنا الله ورسوله أعلم فقال قال الله تعالى أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي وهكذا رواه في غير موضع من صحيحه ومسلم من طرق عن الزهري وقد روى عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة
وقال البخاري حدثنا عبيد الله بن موسى عن اسرائيل عن أبي اسحاق عن البراء قال تعدون الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة مائة والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم انها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا انفرد به البخاري
وقال ابن اسحاق في قوله تعالى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا صلح الحديبية قال الزهري فما فتح في الاسلام فتح قبله كان أعظم منه انما كان القتال حيث التقى الناس فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس كلم بعضهم بعضا والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة فلم يكلم أحد في الاسلام يعقل شيئا الا دخل فيه ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان دخل في الاسلام قبل ذلك أو أكثر قال ابن هشام والدليل على ما قاله الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الىالحديبية في ألف وأربع مائة رجل في قول جابر ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف
وقال البخاري حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن فضيل حدثنا حصين عن سالم عن جابر قال عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل الناس نحوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا ما نشرب الا ما في ركوتك فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون
قال فشربنا وتوضأنا فقلنا لجابر كم كنتم يومئذ قال لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من طرق عن حصين عن سالم بن ابي الجعد عن جابر به
وقال البخاري حدثنا الصلت بن محمد حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة قلت لسعيد بن المسيب بلغني أن جابر بن عبد الله كان يقول كانوا أربع عشرة مائة فقال لي سعيد حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تابعه أبو داود حدثنا قرة عن قتادة تفرد به البخاري
ثم قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال عمرو سمعت جابرا قال قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية أنتم خير أهل الارض وكنا ألفا وأربعمائة ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة وقد روى البخاري أيضا ومسلم من طرق عن سفيان بن عيينة به وهكذا رواه الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر قال إن عبدا لحاطب جاء يشكوه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت لا يدخلها شهد بدرا والحديبية رواه مسلم وعند مسلم أيضا من طرق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول أخبرتني أم ميسر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة لا يدخل أحد النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة الذين بايعوا تحتها فقالت حفصة بلى يا رسول الله فانتهرها فقالت حفصة و ان منكم إلا واردها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال تعالى ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا قال البخاري وقال عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة حدثني عبد الله ابن أبي أوفى قال كان أصحاب الشجرة ألفا وثلثمائة وكانت أسلم ثمن المهاجرين تابعه محمد بن بشار حدثنا أبو داود حدثنا شعبة هكذا رواه البخاري معلقا عن عبد الله وقد رواه مسلم عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به وعن محمد بن المثنى عن أبي داود عن اسحق بن ابراهيم عن النضر بن شميل كلاهما عن شعبة به
ثم قال البخاري حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة قالا خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعر وأحرم منها تفرد به البخاري وسيأتي هذا السياق بتمامه
والمقصود أن هذه الروايات كلها مخالفة لما ذهب اليه ابن اسحاق من أن أصحاب الحديبية كانوا سبع مائة وهو والله أعلم انما قال ذلك تفقها من تلقاء نفسه من حيث ان البدن كن سبعين بدنة وكل منها عن عشرة على اختياره فيكون المهلون سبع مائة ولا يلزم أن يهدي كلهم ولا أن يحرم كلهم أيضا فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث طائفة منهم فيهم أبو قتادة ولم يحرم أبو قتادة
حتى قتل ذلك الحمار الوحشي فأكل منه هو وأصحابه وحملوا منه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الطريق فقال هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار اليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من الحمار وقد قال البخاري حدثنا شعبة بن الربيع حدثنا علي بن المبارك عن يحيى عن عبد الله ابن أبي قتادة أن أباه حدثه قال انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم
وقال البخاري حدثنا محمد بن رافع حدثنا شبابة بن سوار الفزاري حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها حدثنا موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا طارق عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان فيمن بايع تحت الشجرة فرجعنا اليها العام المقبل فعميت علينا وقال البخاري أيضا حدثنا محمود حدثنا عبيد الله عن اسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون فقلت ما هذا المسجد قالوا هذه الشجرة حيث بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد حدثني أبي انه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة قال فلما كان من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ثم قال سعيد إن أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم ورواه البخاري ومسلم من حديث الثوري وأبي عوانة وشبابة عن طارق وقال البخاري حدثنا سعيد حدثني أخي عن سليمان عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم قال لما كان يوم الحرة والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة فقال ابن زيد على ما يبايع ابن حنظلة الناس قيل له على الموت فقال لا أبايع على ذلك أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شهد معه الحديبية وقد رواه البخاري أيضا ومسلم من طرق عن عمرو بن يحيى به وقال البخاري حدثنا قتيبة ابن سعيد حدثنا حاتم عن يزيد بن ابي عبيد قلت لسلمة بن الاكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال على الموت ورواه مسلم من حديث يزيد بن أبي عبيد وفي صحيح مسلم عن سلمة أنه بايع ثلاث مرات في أوائل الناس ووسطهم وأواخرهم وفي الصحيح عن معقل بن يسار أنه كان آخذا بأغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبايع الناس وكان أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ أبو سنان وهو وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن وقيل سنان بن أبي سنان
وقال البخاري حدثني شجاع بن الوليد سمع النضر بن محمد حدثنا صخر بن الربيع عن نافع قال إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر وليس كذلك ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله الى فرس له عند رجل من الانصار أن يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك فبايعه عبد الله فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهي التي تحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر وقال هشام بن عمار حدثنا الوليد ابن مسلم حدثنا عمر بن محمد العمري أخبرني نافع عن ابن عمر أن الناس كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجرة فاذا الناس محدقون بالنبي صلى الله عليه وسلم يا عبد الله أنظر ما شأن الناس قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهم يبايعون فبايع ثم رجع الى عمر فخرج فبايع تفرد به البخاري من هذين الوجهين

الموضوع السابق


قصة الأفك