اسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وعثمان بن طلحة
 

قد تقدم طرف من ذلك فيما ذكره ابن اسحاق بعد مقتل أبي رافع اليهودي وذلك في سنة خمس من الهجرة وإنما ذكره الحافظ البيهقي ها هنا بعد عمرة القضاء فروى من طريق الواقدي أنبأنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه قال عمرو بن العاص كنت للاسلام مجانبا معاندا حضرت بدرا مع المشركين فنجوت ثم حضرت احدا فنجوت ثم حضرت الخندق فنجوت قال فقلت في نفسي كم أوضع والله ليظهرن محمدا على قريش فلحقت بمالي بالرهط وأقللت من الناس أي من لقائهم فلما حضر الحديبية وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح ورجعت قريش إلى مكة جعلت أقول يدخل محمد قابلا مكة بأصحابه ما مكة بمنزل ولا الطائف ولا شيء خير من الخروج وأنا بعد نائي عن الاسلام وأرى لو اسلمت قريش كلها لم اسلم فقدمت مكة وجمعت رجالا من قومي وكانوا يرون رأيي ويسمعون مني ويقدمونني فيما نابهم فقلت لهم كيف أنا فيكم قالوا ذو رأينا ومدرهنا في يمن نفسه وبركة أمر قال قلت تعلمون أني والله لارى أمرا محمد يعلو الامور علوا منكرا وإني قد رأيت رأيا قالوا وما هو قلت نلحق بالنجاشي فنكون معه فان يظهر محمد كنا عند النجاشي
نكون تحت يد النجاشي أحب الينا من أن نكون تحت يد محمد وإن تظهر قريش فنحن من قد عرفوا قالوا هذا الرأي قال قلت فاجمعوا ما نهديه له وكان أحب ما يهدى اليه من أرضنا الأدم فحملنا أدما كثيرا ثم خرجنا حتى قدمنا على النجاشي فوالله إنا لعنده إذ جاء عمرو بن أمية الضمري وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه بكتاب كتبه يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فدخل عليه ثم خرج من عنده فقلت لاصحابي هذا عمرو بن أمية ولو قد دخلت على النجاشي فسألته إياه فاعطانيه فضربت عنقه فاذا فعلت ذلك سرت قريش وكنت قد أجزأت عنها حتى قتلت رسول محمد فدخلت على النجاشي فسجدت له كما كنت أصنع فقال مرحبا بصديقي أهديت لي من بلادك شيئا قال قلت نعم أيها الملك أهديت لك ادما كثيرا ثم قدمته فاعجبه وفرق منه شيئا بين بطارقته وأمر بسائره فادخل في موضع وأمر أن يكتب ويحتفظ به فلما رأيت طيب نفسه قلت أيها الملك إني قد رأيت رجلا خرج من عندك وهو رسول عدو لنا قد وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فاعطنيه فاقتله فغضب من ذلك ورفع يده فضرب بها أنفي ضربة ظننت أنه كسره فابتدر منخراي فجعلت أتلقى الدم بثيابي فاصابني من الذل ما لو انشقت بي الارض دخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتك قال فاستحيا وقال يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول من يأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى والذي كان يأتي عيسى لتقتله قال عمرو فغير الله قلبي عما كنت عليه وقلت في نفسي عرف هذا الحق والعرب والعجم وتخالف أنت ثم قلت أتشهد أيها الملك بهذا قال نعم أشهد به عند الله يا عمرو فأطعني واتبعه فوالله إنه لعلى الحق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده قلت أتبايعني له على الاسلام قال نعم فبسط يده فبايعني على الاسلام ثم دعا بطست فغسل عني الدم وكساني ثيابا وكانت ثيابي قد امتلأت بالدم فالقيتها ثم خرجت على اصحابي فلما رأوا كسوة النجاشي سروا بذلك وقالوا هل أدركت من صاحبك ما أردت فقلت لهم كرهت أن أكلمه في أول مرة وقلت أعود اليه فقالوا الرأي ما رأيت قال ففارقتهم وكأني أعمد الى حاجة فعمدت الى موضع السفن فاجد سفينة قد شحنت تدفع قال فركبت معهم ودفعوها حتى انتهوا الى الشعبة وخرجت من السفينة ومعي نفقة فابتعت بعيرا وخرجت أريد المدينة حتى مررت على مر الظهران ثم مضيت حتى اذا كنت بالهدة فاذا رجلان قد سبقاني بغير كثير يريدان منزلا وأحدهما داخل في الخيمة والآخر يمسك الراحلتين قال فنظرت فاذا خالد بن الوليد قال قلت أين تريد قال محمدا دخل الناس في الاسلام فلم يبق أحد به طعم والله لو اقمت
لاخذ برقابنا كما يؤخذ برقبة الضبع في مغارتها قلت وأنا الله قد أردت محمدا وأردت الاسلام فخرج عثمان بن طلحة فرحب بي فنزلنا جميعا في المنزل ثم اتفقنا حتى أتينا المدينة فما أنس قول رجل لقيناه ببئر أبي عتبة يصيح يا رباح يا رباح يا رباح فتفاءلنا بقوله وسرنا ثم نظر الينا فأسمعه يقول قد اعطت مكة المقادة بعد هذين وظننت أنه يعنيني ويعني خالد بن الوليد وولى مدبرا الى المسجد سريعا فظننت أنه بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومنا فكان كما ظننت وأنخنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا على أظلعنا عليه وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا باسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي حياء منه قال فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال إن الاسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها قال فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد أحدا من أصحابه في أمر حزبه منذ أسلمنا ولقد كنا عند أبي بكر بتلك المنزلة ولقد كنت عند عمر بتلك الحالة وكان عمر على خالد كالعاتب قال عبد الحميد بن جعفر شيخ الواقدي فذكرت هذا الحديث ليزيد بن حبيب فقال أخبرني راشد مولى حبيب بن ابي أوس الثقفي عن مولاه حبيب عن عمرو بن العاص نحو ذلك
قلت كذلك رواه محمد بن اسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن راشد عن مولاه حبيب قال حدثني عمرو بن العاص من فيه فذكر ما تقدم في سنة خمس بعد مقتل ابي رافع وسياق الواقدي أبسط وأحسن قال الواقدي عن شيخه عبد الحميد فقلت ليزيد بن ابي حبيب وقت لك متى قدم عمرو وخالد قال لا إلا أنه قال قبل الفتح قلت فان أبي أخبرني ان عمرا وخالدا وعثمان بن طلحة قدموا لهلال صفر سنة ثمان وسيأتي عند وفاة عمرو من صحيح مسلم ما يشهد لسياق اسلامه وكيفية حسن صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة حياته وكيف مات وهو يتاسف على ما كان منه في مدة مباشرته الامارة بعده عليه الصلاة والسلام وصفة موته رضي الله عنه